تُعد الصقارة واحدة من أقدم وأغنى الهوايات في تاريخ البشرية، وهي تمثل جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي السعودي، الذي يعكس ارتباط المجتمع بالأرض والطبيعة. ومعرض الصقور والصيد السعودي الدولي يعدّ بمثابة نافذة حية لعرض هذا الموروث العريق، لكن تأثيره يتجاوز مجرد الاحتفال بهذه الهواية. إنه حدثٌ يسهم في تعزيز التنوع الثقافي، وتعريف الجمهور المحلي والدولي بعراقة الثقافة السعودية وأصالتها.
يتجسد هذا التأثير بشكلٍ ملموس من خلال الدور الذي يلعبه المعرض في تعزيز السياحة البيئية. حيث يمكن للزوار من جميع أنحاء العالم اكتشاف ليس فقط الصقور وفنون الصيد، ولكن أيضًا البيئة الطبيعية التي تميز المملكة، مما يساهم في رفع وعي الزوار بأهمية المحافظة على التنوع البيولوجي والأنظمة البيئية. من خلال ورش العمل، والمحاضرات، والمعارض المصاحبة، يحصل الزوار على فرصة للتعرف على النباتات والحيوانات الفريدة في المملكة، إضافة إلى طرق الحفاظ على البيئة ودور الإنسان في حماية الحياة البرية.
ومن هنا، يتحول المعرض إلى منصة مثالية ليس فقط للتفاعل مع موروث تاريخي، ولكن أيضًا لإلهام الأجيال الجديدة بالمشاركة الفعالة في حفظ بيئتهم الطبيعية. إن خلق الوعي البيئي لدى الصغار والكبار يشكل خطوة استراتيجية نحو بناء مجتمع أكثر استدامة، وأكثر اهتمامًا بالحفاظ على موارده الطبيعية، وبالإضافة إلى الفوائد الثقافية والبيئية، يسهم المعرض بشكل كبير في دفع عجلة الاقتصاد السياحي في المملكة. حيث يجذب المعرض الزوار من مختلف أنحاء العالم، ويجعل المملكة وجهة سياحية رائدة في مجال سياحة الموروث والتراث. هذا التفاعل بين الزوار والمحتوى الثقافي يعزز النمو الاقتصادي في قطاعات متعددة مثل السياحة، الفنادق، النقل، والمطاعم.
إن فكرنا في الاقتصاد من منظور أوسع، نلاحظ أن المعرض يلعب دورًا محوريًا في دعم قطاع الصناعات الحرفية والتقليدية. فالعارضون في المعرض ليسوا فقط من الشركات الكبرى، بل أيضًا من الحرفيين المحليين الذين يعرضون منتجاتهم اليدوية المرتبطة بالصقارة، مثل الأواني الجلدية، والأسلحة التقليدية، وملابس الصقارة. وبذلك، يتحقق دعم مباشر للأعمال الصغيرة والمتوسطة، ما يعزز من قدرة الاقتصاد المحلي على النمو والاستدامة.
على الرغم من ارتباط المعرض بالتراث، إلا أن استخدام التقنيات الحديثة قد أصبح جزءا أساسيًا من فعالياته. فقد أتاح المعرض في نسخته السابقة تجربة رقمية متميزة، من خلال تطبيقات تفاعلية ونظم إلكترونية للمشاركة في الفعاليات، مما يسهل على الزوار التفاعل مع المعروضات ومتابعة آخر المستجدات في عالم الصقارة. هذا التحول الرقمي لا يُسهم في تسهيل تجربة الزوار فحسب، بل يوفر فرصًا جديدة لتوسيع نطاق المعرض ليشمل جمهورًا أكبر، في داخل المملكة وخارجها.
إن معرض الصقور والصيد السعودي الدولي يمثل أحد أبرز نماذج التنمية المستدامة التي تدمج بين التراث الثقافي والابتكار الاقتصادي، وتفتح آفاقًا جديدة للتفاعل بين الأجيال المختلفة. من خلال تعزيز الهوية الثقافية، وتعميق الوعي البيئي، وتوفير الفرص الاقتصادية، يعكس المعرض رؤية المملكة 2030 في تحقيق توازن بين الحفاظ على الموروث الوطني وفتح أبواب المستقبل الاقتصادية المستدامة. فكل زاوية في المعرض تحمل فرصة، وكل فعالية تحتوي على قيمة تنموية، مما يجعل هذا الحدث ليس مجرد معرض، بل منصة تنموية تلهم الأفراد وتفتح أبواب الآفاق الاقتصادية على مصراعيها.