: آخر تحديث

حصار «التفاهة» بقوة النظام!

2
2
2

أحمد الجميعة

الضوابط الأخيرة، التي أصدرتها هيئة تنظيم الإعلام تجاه المحتوى الإعلامي في المنصات الرقمية، تكشف أن ممارسات الجمهور الاتصالية في تلك المنصات ليست ناضجة حتى الآن، وتجاوز بعضها خطوط القيم والذوق العام، كما تمثّل من جانب آخر حالة تصعيد رسمي في هذا التوقيت؛ لمواجهة المحتوى الهابط في تلك المنصات، التي وصلت إلى حالة من التفاهة لا يمكن القبول بها فضلاً عن السكوت عنها.

شملت هذه الضوابط عدم استخدام اللغة المبتذلة في الحديث، أو التباهي بالأموال والممتلكات والسيارات، أو تصوير الأطفال أو العمالة المنزلية، إلى جانب إظهار الخلافات الأسرية وكشف خصوصيات العائلة، كذلك التنمر أو الإساءة أو الازدراء للأشخاص، أو ارتداء لباس يُظهر الجسد بشكل مبتذل أو غير محتشم.

جميع هذه الضوابط في الأساس تم التأكيد عليها في كثير من الأنظمة والتعليمات التي أصدرتها الهيئة في وقت سابق، ومن ذلك التنمر أو التشهير أو الإساءة للآخرين، ولكن الجديد هذه المرة أنها جاءت مفصّلة وواضحة في التعبير عن ممارساتها، وهذا مؤشر إيجابي لعملية الرصد والتحليل، ونضج تجربة الهيئة المؤسسية في التعاطي مع هذه التحديات والتعامل معها وفق النظام.

هناك من يرى أن هذه الضوابط تقييد للحريات المجتمعية، والرد الذي ينسف هذه الرواية أن الحرية الإعلامية لا تعني الانفلات من مصفوفة القيم الوطنية والمجتمعية، ولا تعني أن يكون لها سقف خاص تتجاوز به محددات الفكر والتعبير، أو هامش يُتيح لها تناول ما تريد في أي وقت وأي مكان، وبالتالي هذه الحرية منضبطة حتى في أكثر الدول ديمقراطية.

ورأينا هذا الضبط مثلاً في أمريكا الشهر الجاري حينما أصدرت الحكومة تعليماتها لوسائل الإعلام بعد مقتل الناشط تشارلي كيرك؛ وذلك لمواجهة انقسام الرأي العام الأمريكي حول الحادثة، واستغلال معارضي الرئيس ترمب الحدث لصالحهم، حيث وصلت هذه التعليمات إلى إيقاف تقديم برامج إعلامية شهيرة في عدد من القنوات، مثل البرنامج الكوميدي جيمي كيميل، وأعادت تلك التعليمات عبارة «أمريكا أولاً»، وذلك في إشارة إلى أن أمن المجتمع واستقراره له أولوية مطلقة في التصدي لأيٍّ من محاولات الخروج عن النص، أو الاقتراب من الخطوط الحمراء، وهذه أمريكا سيدة الحرية تمارس عملية الضبط إذا وصل الأمر إلى تهديد حقيقي لأمن المجتمع، وقس على ما بعدها.

السؤال الآن عن مدى كفاية هذه الضوابط في التصدي للمحتوى الهابط، ومدى الالتزام بها ومتابعة تنفيذها، والجواب أنها غير كافية، لكنها خطوة في اتجاه صحيح، وسيعقبها رصد وتحليل للممارسات الاتصالية للجمهور في المنصات، وبناءً عليه يتم التقييم والتقدير، وربما التصعيد في إجراءات أخرى مستقبلاً، ومن ذلك على سبيل المثال التفكير في ضبط التحويلات المالية للمشاهير في المنصات، وذلك بالتنسيق مع البنك المركزي، باعتبار أن البحث عن المال والكسب السريع أحد أهم أسباب نشر المحتوى المخالف، إضافة إلى منع الجهات الحكومية والشركات المملوكة للدولة أو المساهمة فيها، أو الشركات التي تعمل في مشروعات كبرى مع القطاع الحكومي من الاستعانة بمشاهير المحتوى الهابط في حملاتها الإعلامية والتسويقية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد