: آخر تحديث

الواجبات قبل الحقوق

3
3
3

اليوم الوطني ليس شعارات تردد، ولا أعلامًا ترفع، لكنه فرصة مناسبة لتذكير أطفالنا وشبابنا بما للوطن من حقوق، وما علينا من واجبات لا تتم المواطنة الحق إلا بأدائها..

سألني زميل من البرلمان العربي، هل لا تزالون تبتعثون الطلبة للخارج؟ أجبته بنعم، وبالآلاف سنوياً، أضاف: وهل يعودون بعد تخرجهم؟ أجبته بنعم. هزّ رأسه بأسى، وقال: للأسف من يبتعث من طلبتنا لا يعود. كثير من الدول النامية طاردة لأهم مصادر قوتها أبنائها المتعلمين، والسبب غياب التنمية، وما تتطلبه من رؤية وأهداف وبرامج تنهض بالاقتصاد أساس كل قوة، لكن قبل أن نضع اللوم على الوطن، يجب أن نسأل ماذا قدم له أبناؤه وهم يتبوؤون مختلف المراكز، من جعل مصلحته الخاصة فوق مصالح الجميع، سيقصر في أداء الأمانة الموكلة له، حينها تذكرت مقولة الرئيس الأميركي جون كيندي: "لا تسأل ماذا يمكن أن يقدم لك الوطن، اسأل ماذا يمكن أن تعمل من أجله؟".

الوطن كصحة البدن، لا تعرف قيمتها إلا حين تفتقدها، من يستمع إلى قصص الآباء والأجداد، كيف كانت حياتهم قبل توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز ورجاله الأوفياء، كيف كانوا يعيشون، في قراهم ومدنهم، يحاصرهم الخوف والجوع والمرض، تنقصهم أبسط وسائل العيش الكريم من مأكل ومسكن وتعليم وعناية صحية، الأقوياء من الشباب يتغربون، ويعملون في دول مجاورة، وفي كل مهنة تتاح لهم، يعملون في البناء والزراعة والتجارة وركوب البحر، أما من يبقى في بلده فهو مجبر على العمل ليل نهار لتأمين لقمة العيش ليبقى وأسرته على قيد الحياة، وفي الغالب يكون تحت رحمة المناخ السائد في ذلك العام، فإن نزل المطر وأعشبت الأرض وجد ما يأكله، وإن ساد القحط وصامت السماء، فالجوع والمرض بانتظاره، فلا أشجار مثمرة، ولا ماشية تعد من أهم متطلبات الحياة.

اليوم الوطني ليس شعارات تردد، ولا أعلامًا ترفع، لكنه فرصة مناسبة لتذكير أطفالنا وشبابنا بما للوطن من حقوق، وما علينا من واجبات لا تتم المواطنة الحق إلا بأدائها.

أكثر من يقدر الوطن ويعرف فضله هم المخضرمون من أمثالي، حيث ولدنا وعشنا مع بدايات التنمية، كنا نذهب إلى المدارس من المزارع كل صباح مشياً على الأقدام، وبعضنا حفاة، نعيش في قرى لا يوجد بها كهرباء ولا ماء يصل إلى البيوت، تعدّ السيارات على أصابع اليد، أتذكر حين جفت الآبار في ذلك العام انتقل كثير من السكان إلى الرياض بحثاً عن الوظائف ولقمة العيش، حينها أقفلت المدرسة المتوسطة لعدم وجود العدد الكافي من الطلبة، ما اضطرنا إلى الانتقال للدراسة في أقرب مدينة فيها مدرسة متوسطة، ومن كرم الحكومة أنها صرفت لكل طالب مغترب مبلغ مئة وخمسين ريالًا شهرياً، ثم أتاحت لنا فرصة مواصلة الدراسة في الجامعات والكليات العسكرية، وبعضنا ابتعث لدراسة الطب في أوروبا وباكستان، والبعض واصل دراساته العليا في أفضل الجامعات الغربية، كبرنا وكبر معنا الوطن، وطن كريم معطاء جمع بين أفضل ما في الدول من قيادة مخلصة وأمينة على مكتسبات الوطن، وأماكن مقدسة تهوي إليها الأفئدة، وشعب مخلص ومتعلم، وخيرات كثيرة في باطن أرضه، وموقع استراتيجي متميز، كل ذلك يدفعنا لنعمل المزيد من أجل رفعته وقوته، ومن أهم ذلك ما يأتي:

أولاً: الولاء للوطن، يعني أن يبذل كل منا ما يستطيع لأداء عمله على الوجه المطلوب، كل تقصير من مواطن هو حلقة ضعيفة في التنمية وقوة الوطن، المعلم والطبيب والمهندس والقاضي والتاجر والأم والأب، وغيرهم مطالبون ببذل الجهد، وترك أثر يفخرون به ويؤجرون عليه في الدنيا والآخرة، من حق كل مواطن أن يطالب بما له من حقوق، لكن عليه أن يسأل نفسه أولاً: هل أديت واجبي على الوجه المطلوب؟

ثانياً: يجب ألا نتوقف عن العمل والعطاء ما ظللنا قادرين عليه، لم تعد سنّ الستين هي مرحلة التوقف عن العمل، والبقاء داخل البيت، بل الانطلاق إلى عمل آخر يحبه الشخص ويبدع فيه، أو العمل في المجال الخيري بكل أنواعه وفوائده الكثيرة على المجتمع وصحة الفرد، أصحاب الخبرة مهمون لمواصلة المسيرة، وتقليل الأخطاء، كما أن توجيه النصح والنقد البناء من أهم ما يجب أن يقدمه صاحب الخبرة والتجارب الثرية.

ثالثاً: الحقوق مهمة.. وهي من أهم ما يحتاجه المواطن، وأهمها توفر الأمن والسلامة، والتعليم، والصحة، والمسكن، وتوفير الوظائف، ومكافحة الفقر بأنواعه، لكن كما قال الزعيم الهندي غاندي: "المصدر الحقيقي للحقوق كلها هو الواجب، وإذا قام كل منا بواجبه خير قيام فإن الحقوق سوف تأتي من تلقاء نفسها، العمل بأمانة إخلاص هو أهم الواجبات، والحقوق هي ثمرة أداء هذا الواجب".

وطننا الكبير، في عيدنا الوطني يسير من حسن إلى أحسن، رغم العواصف والأمواج العاتية المحيطة به، فالربان ماهر، والرؤية واضحة، والقادم أفضل بإذن الله.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد