أمينة خيري
يلخص الوضع الحالي في غزة ما يمكن تسميته الفرص الضائعة. مئات إن لم يكن آلاف فرص السلام والبناء والعيش المشترك ضاعت على مدار عقود.. وعشرات إن لم يكن مئات من فرص الهدنة وتسلم الرهائن أحياء، وحقن دماء الآلاف من أهل غزة وإنقاذ الآلاف من الأطفال.
وفي القلب من الفرص الضائعة، رؤية غابت وعناد هيمن.. ويزيد من تعقد المشهد وأسى الحال أنه حتى من اتفقوا على أن غزة اليوم هي مسرح الفرص الضائعة، اختلفوا فيما بينهم على تعريف الفرص الضائعة، وعلى تحميل الجهة أو الجهات المسؤولة عنها. فريق يرى أن الفرصة الضائعة تتمثل في ترك بعض الحركات أو الجماعات تحتكر القضية وتنفرد بتقرير مصير الفلسطينيين..
ما يقرب من خمسة عقود وفرص حقيقية للقضية الفلسطينية تضيع وتتبخر في الهواء. المبررات كثيرة: سنحرر كامل الأرض، سنطرد إسرائيل، سنوحد القوى ونؤلف الجهود، ما ضاع بالقوة سيتم استرداده بالقوة، وغيرها كثير. تواترت الأسباب والمبررات على مدار عقود، وغابت الرؤية والقدرة على الحسابات والعمل الحقيقي على أرض الواقع.
اليوم احتدمت الأمور واتضحت الحقائق رغم قسوتها، وعلى الرغم من ضآلة الفرص ومحدوديتها الشديدة، ما زال هناك من يمسك بتلابيب الوهم دافعاً سوءاً بدراية أو بدون المنطقة برمتها نحو الهاوية. كل المطلوب حالياً هو حساب الأوضاع بناء على المعطيات، لا التخيلات، وانطلاقاً من حسابات الأمر الواقع، لا افتراضات التفكير بالتمني.
تفكير الأمر الواقع والمنطقي يخبرنا أن قوى المنطقة الرئيسية لن تغير سياساتها وتغامر بشعوبها وتضحي باستقرارها سعياً وراء سراب أو خيال أو وهم أو تفكير بالتمني. وتفكير الأمر الواقع يخبرنا أيضاً أن توازنات القوى العالمية على الأقل الحالية لن تغيرها أحلام أو أوهام أو أمنيات.
عمل عربي مشترك تبدو أحياناً لفرط استخدامها وكأنها «كليشيه». هي ليست عبارة، إنها طوق نجاة والطريق الوحيد لحقن المزيد من نزيف الفرص الضائعة..
مصلحة إسرائيل الحالية تكمن في استمرار الحرب والتوسعات العسكرية ودفعها نحو المفاوضات والحلول الدبلوماسية، بما فيها من مصالح اقتصادية ومكاسب استراتيجية وغيرها، هو الإنجاز الحقيقي، وهو الإنجاز الذي يتطلب عملاً عربياً مشتركاً.. وعلى القدر نفسه من الأهمية والصعوبة، دفع حنجوريي جماعات العنف السياسي الملتحفين بالدين بعيداً عن الساحة ضرورة لعدم إهدار الفرص الشحيحة التي ما زالت متاحة.