: آخر تحديث

مراكز دراسات الشرق الأوسط الأمريكية والتسييس الأكاديمي

2
2
2

عبدالله الزازان

في منتصف الثمانينيات الميلادية، زرت مراكز دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية، وبخاصة مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن، ومركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة جون هوبكنز، ومركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون، والتقيت فيها بالرؤساء، والأكاديميين، البروفيسور بنارد رايتش، والبروفيسور جون رودي، والبروفيسورة جودث تكر، والبروفيسور مايكل هادسن والبروفيسور مجيد خدوري. وتقوم هذه المراكز بأدوار متعددة تشمل البحث العلمي في تاريخ وثقافة وتراث وسياسة منطقة الشرق الأوسط، والتدريس الأكاديمي لإعداد جيل من الباحثين والخبراء، وتطوير برامج ومنهجيات ودراسات الشرق الأوسط، وتتيح مختلف التخصصات العلمية المتعلقة بالشرق الأوسط، والتوعية بالمنطقة، وتقدم التحليلات المعمقة للمشكلات الإقليمية والدولية المتعلقة بها والتحولات الإستراتيجية التي تشهدها المنطقة، إضافة إلى دراسة الثقافات والأديان والجغرافيا السياسية للمنطقة. وهذه المراكز مؤسسات بحثية تعليمية رصينة، تُعنى بدراسة الشرق الأوسط من منظور علمي وبحثي. وكنت أثناء رئاستي لتحرير مجلة "المبتعث" بواشنطن، أدرت حوارات مع رؤساء تلك المراكز في منطقة واشنطن، كالدكتور مايكل هادسون، مدير مركز الدراسات المعاصرة في جامعة جورج تاون، والدكتور مجيد خدوري، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة جون هوبكنز، وبعض الأكاديميين كالدكتور بنارد رايتش، والدكتور جون رودي، والدكتورة جودث تكر، وقد نشرت في حينها في مجلة «المبتعث». وكان آخر لقاء شخصي وعلمي مع الدكتور مايكل هادسون، مدير مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورجتاون، عندما استضفته هو وزوجته فيرا وهبة من أصل لبناني فلسطيني في منزلي في فرجينيا، وتحدثنا طويلًا حول تلك المراكز، كمراكز أكاديمية وبحثية تركز على تحليل وفهم تاريخ وثقافات وسياسات واقتصاديات المنطقة، ودورها في تقديم الدراسات، والاستشارات، لصناع القرار في الولايات التحدة الأمريكية حول المنطقة. وكان الدكتور مايكل هادسون، أحد المؤسسين لمركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون، وقد شاركه في التأسيس، مجموعة من الأكاديميين: كالدكتور هشام شرابي، والدكتور جون رودي، والدكتور إبراهيم العويس، والسفير كلوفيس مقصود، وبيتر أف كروغ، إضافة إلى كونه عضوًا مؤسسًا في جمعية دراسات الشرق الأوسط لأمريكا الشمالية. والدكتور هادسون يتميز بالأمانة الفكرية والموضوعية، والحياد التام وامتلاك رؤية نقدية موضوعية، ويتصف بالأخلاقيات العلمية والنزاهة الفكرية، وكان على علاقة بالعالم العربي. وكان المفكر، والأكاديمي، والباحث العراقي البارز، الدكتور مجيد خدوري، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة جونز هوبكنز، صديقًا للعرب، وكان يتصف بالأمانة العلمية، والنزاهة الفكرية، والتواضع العلمي، اشتهر بمؤلفاته في التاريخ الإسلامي الحديث، وتخرج على يديه شخصيات مؤثرة في المنطقة والعالم، وكان صاحب أول كرسي لدراسات الشرق الأوسط في أمريكا، وقد زرته في منزله في ولاية ميرلاند، وتحدثنا حول المركز، حيث يتبنى نهجًا يجمع ما بين دراسات التاريخ، السياسة، الاقتصاد، الأنثربولوجي، وعلم الاجتماع. لم يدم الوضع طويلاً مع تلك المراكز، فمع رحيل الدكتور مجيد خدوري، والدكتور هشام شرابي، والدكتور مايكل هادسون، أصبحت هذه المراكز هدفًا للوبي الإسرائيلي، وذات تبعية لإسرائيل، وصار بعض خريجيها أداة سياسية في يد إسرائيل، وذلك بعد أن تدخل اليمين الأمريكي، ومكّن اللوبي الإسرائيلي من الهيمنة عليها، والذي بدوره قرب أنصار إسرائيل، مثل مارتن كريمر، الأكاديمي الإسرائيلي الذي تتلمذ في جامعة برينستون على يد المستشرق البريطاني - الأمريكي، برنارد لويس، ولم يكن كريمر مجرد تلميذ للمستشرق لويس، وإنما كان أثرًا من آثاره، سافر كريمر إلى تل أبيب والتحق بجامعتها، وعُيّن مديرًا لمعهد موشي ديان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية. وبرنارد لويس بالمناسبة مؤرخ بريطاني/ أمريكي تخصص في تاريخ الشرق الأوسط، وكان أستاذًا في جامعة برينستون، وكان على علاقة بالمحافظين الجدد، ساهم في تشكيل نظرة الغرب للشرق الأوسط على حد وصف صحيفة «الواشنطن بوست»، وتشكيل الخطاب الغربي حول المنطقة، وكان صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية يرجعون إلى أفكاره حولها، وقد عُرف بكتاباته وآرائه المعادية للعرب والإسلام. تذكر المصادر التاريخية أنه يعاني من انحراف في المعايير الفكرية والمنهجية، عندما يتحدث عن العرب أو الإسلام. ومن بين الأكاديميين ذوي النزعة الصهيونية، الذين هيمنوا على تلك المراكز دانيال بايبس، رئيس مركز أبحاث منتدى الشرق الأوسط، وهو مؤرخ ومستشرق أمريكي دعا إلى فرض قيود على مناهج دراسات الشرق الأوسط. لقد فقدت تلك المراكز منظومتها التاريخية الأكاديمية الرصينة والمحايدة، وأصبحت مجتمعات مغلقة تُدار من قبل اللوبيات الإسرائيلية. فقد كان الوجود الأكاديمي العربي ضمانًا حقيقيًا، لحياديتها، ونزاهتها، وموثوقيتها، والآن أصبحت تعاني من تدخلات اليمين الأمريكي وقبضة الصهيونية، متخذة طريقًا ماكرًا وخطيرًا، في محاولة لتغيير الحقائق التاريخية في المنطقة، وذلك عن طريق إحداث قواعد جديدة لدراسة الشرق الأوسط، تخضع للنفوذ والهيمنة الإسرائيلية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد