: آخر تحديث

كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل الرأي العام؟

5
7
5

في الزمن الذي تتسارع فيه دورة المعلومة أكثر من وعي المتلقي، ظهر الذكاء الاصطناعي كأداة قادرة لا فقط على تفسير الرأي العام، بل على تشكيله وإعادة توجيهه. ما كان سابقًا جهد بشري عبر مؤسسات إعلامية وأحزاب وتنظيمات، أصبح اليوم عملية رقمية باردة وفعالة تتم خلف الشاشات في ثوانٍ.

مع تطور نماذج اللغة الضخمة، بات الذكاء الاصطناعي قادراً على إنتاج المحتوى السياسي والإخباري بسرعة ودقة وبنبرة تُحاكي لغة الجمهور المستهدف، منصات الأخبار بدأت توظف تقنيات الذكاء الاصطناعي لصياغة عناوين جاذبة، وتحليل تعليقات الجمهور، وحتى تحديد زاوية التغطية التي ترفع التفاعل أو تغذّي توجهًا معينًا. في هذا السياق، لم يعد صانع الخبر مجرد محرر بشري، بل خوارزمية تُعدل الرسائل حسب نبض الجمهور على مدار الساعة.

ولعل أخطر ما أنتجته هذه التقنية هو قدرتها على اصطناع الواقع -إن صح التعبير- من خلال تقنيات مثل التزييف العميق، والفيديوهات الصوتية الاصطناعية. هذه الأدوات لا تقتصر على تقليد صوت أو وجه، بل تُنتج مشاهد كاملة توهم المتلقي أن شخصاً ما قال أو فعل شيئًا لم يحدث أصلًا. في إحدى الحالات، انتشر مقطع يظهر فيه مسؤول أوروبي يتحدث بكلمات عنصرية، تبيّن لاحقًا أنه مفبرك بالكامل. لكن الضرر وقع ملايين شاهدوه قبل أن يتم التحقق، والسمعة السياسية تعرضت لهزة لا يمكن محوها بسهولة.

الذكاء الاصطناعي، رغم خطورته، يحمل إمكانيات إصلاح عميقة، يمكن استخدامه للكشف عن شبكات التضليل، وتحليل اللغة، لكنه لن يكون أداة عادلة ما لم يُضبط بقوانين واضحة ومسؤوليات محددة، غياب التشريعات دولياً قد يسهم في استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة ضغط ناعمة، لكنها فعالة في إعادة صياغة الوعي العام دون وعي الجمهور نفسه.

المعادلة إذا ليست بين تقنية جيدة أو سيئة، بل بين تنظيم مسؤول وفوضى رقمية، نحن أمام مرحلة جديدة من التأثير الإعلامي لا تمر فقط عبر الشاشات، بل عبر الخوارزميات. وفي زمن تُصنع فيه الحقيقة داخل الخوادم، يصبح من الضروري أن يُسأل كل محتوى: من كتبه؟ ولماذا؟ وبأي نية؟ فربما يكمن التحيز في البرمجة، وليس في المعلومة فقط.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد