في حسابات التاريخ، هي زيارة إلى المستقبل الذي يغلفه ضباب جيوسياسي عاصف، وفي حسابات المستقبل، هي رحلة إلى تاريخ طويل وحاسم بين دولتين كبيرتين ووازنتين على طاولة العالم.
زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المملكة العربية السعودية، ولقاؤه بالأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، يوم الخميس الماضي، جاءت في توقيت إقليمي بالغ الأهمية، فاللحظة الإقليمية والدولية شديدة الحساسية، حيث يُعاد تشكيل النظام العالمي وتتفاقم المخاطر في المنطقة.
الزيارة ليست زيارة دبلوماسية عادية، إنما هي إعادة ترسيخ لمحور تاريخي كان دائماً ركيزة أساسية في الموقف العربي. هذا التحالف بين الدولتين يشكل عموداً فقرياً لإعادة صياغة التوازنات ومواجهة التحديات في ظل خرائط تتحدى الأخطار بشكل غير مسبوق.
المخاطر تتوزع على ساحات متعددة: البحر الأحمر، الخليج، باب المندب، شرق المتوسط. التعاون المصري- السعودي يشكل مظلة لردع هذه التهديدات، ويعيد رسم خريطة الأمن البحري العربي في مواجهة صراع دولي محتدم على الممرات الاستراتيجية.
وفي مقدمة هذه المخاطر تأتي القضية الفلسطينية، فلم تعد مجرد ملف تفاوضي، بل تحولت إلى مسألة وجودية تمس الوجود العربي والأمن القومي. تصريحات نتنياهو الأخيرة عن «إسرائيل الكبرى» تكشف حجم الخطر، ومن هنا يتيح التنسيق المصري-السعودي المجال لصياغة موقف عربي حازم يدفع نحو عقد مؤتمر عربي–دولي يضع خطوطاً حمراء أمام أي محاولات لتصفية الحقوق الفلسطينية.
هذه الجهود تهدف إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى قلب الاهتمام العربي، فهي مسألة أمن قومي ووجود، وأي تجاهل لها يعني فتح الباب لمزيد من الفوضى والتهديدات.
إن منسوب الأخطار في الإقليم بلغ ذروة الارتباك في الحسابات المتلاحقة والمعقدة، ومن دون مبالغة، لم نشهد مثيلاً لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وليس خافياً أن هذه الأخطار تُلاحَق بتحرك سريع من قوى إقليمية وعالمية لترتيب بيادق النفوذ والقوة على رقعة الشطرنج السياسي والاستراتيجي، ما يضع العرب أمام نظام عالمي يعاد تشكيله. إذا لم يكن لهم مقعد واضح، فسيجدون أنفسهم على الهامش. التفاعل المصري - السعودي قادر على دفع الحضور العربي الفاعل في التكتلات الاقتصادية والسياسية الكبرى، وصياغة تحالفات جديدة تحفظ للعرب وزنهم ومصالحهم.
العلاقة بين القاهرة والرياض أعمق بكثير من السياسة وحدها، فهي ذات جذور شعبية وثقافية ودينية، ما يمنحها شرعية مضاعفة أمام الشعوب. حين تتحرك مصر والسعودية معاً، فإنهما ترسلان رسالة قوية تقطع الطريق على أي محاولات خارجية لفرض أجندات.
التفاهم بين دولتين بهذا الحجم يسمح ببناء سياسة عربية متوازنة، تمكّن من التفاعل مع الغرب وفي الوقت نفسه فتح آفاق التعاون مع القوى الصاعدة مثل الصين وروسيا. هذه الموازنة تقود إلى صلابة القرار العربي في عالم شديد الاستقطاب.
اللقاء يفتح المجال لإعادة بناء جبهة عربية متماسكة، تعيد صياغة الموقف العربي من القضايا المصيرية، وفي مقدمتها فلسطين، وتمتد أيضاً نحو أفريقيا لتعزيز الحضور العربي في مواجهة التمددات الخارجية.
وسط هذه المتغيرات والتهديدات الممنهجة طبقاً لمخططات قديمة متجددة، تستهدف إعادة تصميم خرائط على مقاس أوهام توسعية إسرائيلية، فإننا في حاجة إلى عقد قمة عربية - إسلامية كبرى، تضع خريطة طريق موحدة وتحدد موقفاً جماعياً من التحديات الكبرى، لأن التحرك الفردي لم يعد كافياً أمام هذا المشهد الدولي المعقد.