: آخر تحديث

خدمة ضيوف الرحمن شرف وريادة

3
3
3

نشأتُ في المدينة المنورة، المدينة التي يفيض تاريخها بالقداسة والسكينة، وقضيت فيها طفولتي وصباي حتى المرحلة الثانوية. كانت أجمل سنوات العمر، حيث المسجد النبوي الشريف مقصد الناس، لا لطالب الصلاة وحدها، بل كذلك لطلب الطمأنينة والسكينة التي يلمسها كل من يدخل أجواء هذه البقعة الطاهرة التي عاش فيها خير البشر، ومشى على ترابها وأضاء طرقاتها.

ولأن شقيقتي أكرمها الله بالإقامة في المدينة؛ فإن حديثنا عن طيبة الطيبة دائم الحضور في مجالسنا، ويستحث ذلك ما تشهد المدينة المنورة منذ عدة سنوات من جودة في الحياة وكمال في الخدمات.

وقبل عدة أيام زارت خالتي مع بناتها المدينة المنورة، فاتصلت للاطمئنان عليها، فإذا بها تسترسل في الحديث عن التطورات المتسارعة والخدمات النوعية التي تقدمها الدولة لزوار المدينة، وقد عبّرت بفرح عمّا وجدته من تسهيلات لكبار السن، إذ يسّرت عليهم التنقل، ووفرت لهم الوقت والجهد، ومكّنتهم من زيارة المسجد النبوي والمعالم الإسلامية التاريخية مثل: مسجد قباء، والقبلتين، وسيد الشهداء، وجبل أحد، بكل يسر وسهولة.

وما كانت هذه المنجزات المباركة لتكون لولا رعاية القيادة الرشيدة -حفظها الله- وفي مقدمتها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، وحرص سمو أمير منطقة المدينة المنورة الأمير سلمان بن سلطان بن عبدالعزيز.

وانطلاقًا من هذا التوجه، تم إطلاق برنامج ضيوف الرحمن ضمن رؤية المملكة 2030، تحت إشراف معالي وزير الحج والعمرة الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة، الذي عُرف بقدرته على تحويل كل مسؤولية يتولاها إلى قصة نجاح.

ويهدف البرنامج إلى أن تكون رحلة الحاج والمعتمر تجربة متكاملة منذ لحظة القدوم حتى المغادرة، بما في ذلك تسهيل إجراءات التأشيرات، وزيادة الرحلات الجوية، وتطوير المطارات والمنافذ، وتنظيم منظومة النقل إلى الحرمين الشريفين. كما امتد التطوير بتعاون جميع القطاعات الحكومية إلى الخدمات داخل الحرمين، ورعاية المناطق التاريخية، وإقامة معارض نوعية تقدم للزائر صورة ثرية عن تاريخ الإسلام وسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام.

وتسترسل خالتي في حديثها، فتروي كيف يتردد على ألسن السيدات الزائرات عبارات الامتنان والرضا؛ إذ يبدين بهجتهن إزاء سهولة الإجراءات، وتطور شبكات الطرق، وتعدد وسائل النقل الحديثة مثل: قطار الحرمين، والخدمات الرقمية التي اختصرت الوقت والجهد، وجعلت إنجاز الحجوزات والإجراءات ممكنًا إلكترونيًا بيسر وسهولة.

ولم تقتصر هذه الجهود على النقل والإقامة، بل شملت الرعاية الصحية والإسعافية، والمراكز الطبية المتخصصة، والخدمات الموجهة لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. وتشمل هذه الخدمات توفير وسائل مساعدة لأداء المناسك، وترجمة بعدة لغات، وإرشاد وتوجيه يضمن راحة الحجاج والمعتمرين، ويشارك المجتمع السعودي بدور فاعل في هذه المنظومة، استشعارًا لشرف خدمة ضيوف الرحمن.

وقد لخّص خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- هذا المعنى حين قال:

"إن من نعم الله على بلادنا المباركة أن شرفنا بخدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، وكل من يفد إليها حاجًا أو معتمرًا أو زائرًا، حيث تجند جميع الطاقات والإمكانات في الدولة وتُجرى الدراسات اللازمة لتيسير خدمة ضيوف الرحمن وسبل إقامتهم وتنقلهم".

هكذا تؤكد المملكة قيادةً ومجتمعًا أن خدمة ضيوف الرحمن ليست مجرد واجب، بل رسالة متجددة، تمضي من الماضي العريق إلى المستقبل الواعد، في إطار رؤية وطنية تجعل هذه الخدمة شرفًا ومسؤولية وريادة.

محمد بن عبدالله الحسيني


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد