: آخر تحديث

الدوسري الحد الفاصل بين الأمل والألم

5
5
5

عبدالله الزازان

معظم الدراسات الأدبية، التي تناولت حركة الشعر الشعبي في الكويت، اتفقت على أنه مر بمرحلتين: الأولى: الشعر البدوي، الذي جاء ممثلًا للبدايات الأولى لنشأة الشعر الشعبي. والأخرى: الشعر الحضري، الذي جاء امتدادًا لمرحلة الشعر البدوي، تزامنًا مع تكون الدولة الحديثة، بعد اكتشاف النفط عام 1934، وإن كان هذا التقسيم الذي درج عليه النقاد لا يستند - في تصوري - على أساس منهجي، ويخالف الدراسات الاجتماعية، التي ترى أن المجتمع الكويتي تكون في بداياته من الحاضرة والبادية، وكلاهما يشكلان نسيج المجتمع الكويتي، الذي يتميز بالترابط الاجتماعي بين مكوناته، ويعد نموذجًا فريدًا للتنوع والتعايش السلمي بين مختلف أطيافه. تلك التنوعات الاجتماعية شاركت في نشأة الشعر الشعبي بالكويت، فالشعر الشعبي - كما يقولون - لسان حال المجتمع، ولم تكن نشأة الشعر مقتصرة على أحد. شهد الشعر الشعبي تطورًا ملحوظًا، بعد النقلة المدنية والحضارية التي شهدتها الكويت، وبعد حركة التمدن الاجتماعي، فأصبح يميل إلى الرقة والعذوبة في الأساليب والمضامين والأداء، والانفتاح على التجارب والأشكال الشعرية الجديدة. واليوم يحظى بشعبية واسعة في الأوساط الأدبية. في منتصف التسعينيات الميلادية، كتبت دراسات لعدد من شعراء وشاعرات الكويت، ونشرتها في كتابي «مدن الشعر»، وبينت أن الشعر الشعبي أحدث نقلة شعرية كبيرة على مستوى الخليج العربي. شملت تلك الدراسات الشعراء «طلال السعيد، أخت المها، خالد المريخي، وسمية العازمي «عابرة سبيل»، مهاة الروضة، وضوح، ومسفر الدوسري» الذي انتقل إلى رحمة الله في يناير الماضي 2025، أقدمه أنموذجًا لتلك الدراسات. فالدوسري أثرى الحياة الأدبية بالخليج، من خلال مشاركته في تأسيس مجلات كـ«المختلف» و«فواصل» و«مشاعر»، والتي لعبت دورًا في الحراك الشعري الشعبي في الخليج، وأصدر ديواني «صحاري الشوق»، و«لعيونك أقول»، وكتاب «ما لم أقله شعرًا». ووصفته مجلة اليمامة بأنه «أحد صُنّاع الإبداع في الشعر الحديث، ومن روّاد قصيدة التفعيلة في الشعر المحكي بمنطقة الخليج العربي. يكتب الشعر بإحساس مرهف، وأسلوب عاطفي». أهداني الصديق خالد العريعر «صحاري الشوق»، مجموعته الشعرية وهي من الحجم الصغير، تبدأ بمقدمة للشاعر فايق عبدالجليل يتحدث فيها عن ولادة الشاعر وسمات الإبداع قائلًا: «ولادة شاعر بسيط تعني أن الزمن الشعري سيستغني عن ميكروسكوبه، ويعيد تنظيم مفرداته بما يناسب العصر. وهذه عصافير مسفر الدوسري على ورق العشاق تترك تواقيعها العاطفية لتسمح للعاشق وعشيقته بالسفر بين القارات الخمس..» إلى أن يقول «ولا يزال الشعر العامي يعامل على أساس أنه من قبائل البياسر والغجر، وما زالت البوابة الرسمية للشعر العربي لا تفتح للشعراء العاميين، علمًا بأن إذاعاتنا لا تستطيع الوصول إلى الناس إلا من خلال المفردات البسيطة التي تجمع الفصحى والعامية». وإذا كان مسفر الدوسري يتقن اللغة والمفردة الشعرية، فإنه أيضا يتقن فلسفة الشعر: «تعالي من بين الدموع بسمة فرح ت عالي في لحظة وداع كلمة هلا يا حسافه صار حبنا للحزن أحلى وسادة». لو أن كل الحيارى والمتعبين تأملوا كلمات مسفر لوجدوا أن ما «بين الصبح والظلمة كلمة» ولأدرك أولئك العشاق أن الحد الفاصل بين الأمل والألم تبدل حرف. «أودعك وودع أحلامي السمر وأول محطات العذاب يا للي وسط عينك يمر.. خيط العمر..» الذين عرفوا مسفر الدوسري يؤكدون أن الرجل ذا شفافية مطلقة، والذين قرؤوا أشعاره وجدوا أنه لين القلب دافئ الإحساس نقي الضمير. يقول مسفر: «لم أتخط بعد تجربتي الشعرية لكي أستطيع أن أحكم عليها أو أقومها؛ فأنا ما زلت أمارس هذه التجربة وسأبقى؛ ففي الأدب كل كلمة هي ولادة وكل حرف هو محاولة لرسم النجوم في ليل عيوننا، وكل قصيدة شعرية هي محاولة لحفر ثغرة للنور في جدار أحزاننا. فأنا أحاول أن أجمع أشتات صور لمراحل عمري، وأحاول أن أضع إطارًا لهذه الصور وأخرجها بلوحة تعبيرية يختلط فيها اللون بالحرف.. فأعجز.. فلقد أصبحت جزءًا من هذه اللوحة.. لون.. أو حرف وتختلط الألوان. لقد كتبت معظم أنواع الشعر النبطي والفصيح المقفى والحديث.. ولكن الأسلوب الذي أكتب به حاليا هو قضية قبل أن يكون مجرد أسلوب».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد