كتب «محمد الهاشمي» مقالا في الشفاف في 2014، وأُعيد نشره مؤخرا على منبر الشفاف، قال فيه، بتصرف كبير:
يردد العرب كثيرًا سرديّتين ساذجتين عن أسباب انحياز الغرب لإسرائيل؛ الأولى كونها ذراعها الاستعمارية، والثانية لأنها شوكةُ الغربِ الكافر في خاصرة المسلمين للقضاء على الإسلام.
الحقيقة، بنظر الكاتب، غير ذلك. فبخلاف عقدة الذَنب الغربية تجاه اليهود بسبب المحرقة التي اقترفها النازيون، إلا أن ذلك لا يكفي لتبرير كل هذا الدعم الكبير وغير المشروط لها، وبالتالي فإن التفسير يكمن في الحقائق التالية، التي يصعب على العرب استيعابها:
1 - أن النخب السياسية التي قادت وساهمت في تكوين دولة إسرائيل رأت أن مصالحها مرتبطة بالغرب وليس مع السوفيت، فبنت مؤسساتها على النمط الغربي العلماني الديموقراطي الحر، بكل ما يعنيه ذلك من حريات، وعلى رأسها حقوق المرأة، والإيمان بالاقتصاد الحر، وتداول السلطة واعتماد نظام قضائي مميز.
2 - الحرص على التفوق التكنولوجي والصناعي عزَّز مكانتها في العالم المتقدم لتصبح شريكا استراتيجيا، لمساهمتها الفعالة في المنجز الحضاري.
3 - نجاحها في بناء تحالفات مع القوى الكبرى مثل الناتو والشراكة الاستراتيجية مع أمريكا.
4 - ما يراه الغرب من نقيض لدى الجانب الآخر، بأنظمتها الدكتاتورية القمعية، وما تعلنه من عداء وكره لكل ما تمثله الديموقراطيات الغربية.
بخلاف السلطات الدكتاتورية التي تحكمت في القرار الفلسطيني منذ 1948، فلا دستور ولا برلمان ولا مؤسسات ولا تداول للسلطة.
خلص «الهاشمي»، في نهاية مقاله، الذي تطرق فيه لأمور كثيرة، لا علاقة لها بعنوان المقال، إلى أن الغرب يدعمُ إسرائيل وينحاز إليها لأنه ينظرُ لها كدولة حليفة ديموقراطية برلمانية، متعددة الاحزاب، ليبرالية، فيها تداول للسلطة، وفيها مؤسسات على الطراز الأوروبي، ومتقدمة تكنولوجياً وصناعياً، مهددة بأنظمة دكتاتورية تحكمها ثُلة من القادة الذين يتفنن غالبيتهم في صناعة الموت والدمار، وأنتجت الفوضى والتخلف في العالم العربي، وتصرّح علناً بكرهها للغرب وأمريكا. بل تقوم بأعمال عنف ودهس وقتل وتفجيرات ضد المدنيين في كبرى العواصم الغربية، ثم تعلن بأنها تريد محو دولة إسرائيل من الوجود (!!).
* * *
أزعم بأنني أعرف كاتب المقال، وهو كويتي، لكنه يفضل الاحتفاظ باسمه، لأمور خاصة، ولست في وارد ذكره، بالرغم من أن علاقتنا تأثرت سلبا مؤخرا، كما تأثرت مع غيره من «أصدقاء سابقين»، بسبب مواقفهم غير المفهومة، بالنسبة لي، من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ودعمهم المعنوي غير المشروط لإسرائيل، وعدم صدور أية إدانة منهم على كل ما اقترفته من إجرام، وقد يكون السبب لأنهم لحماس كارهون، وللمال محبون! فليس هناك من في قلبه ذرة كرامة ومنطق، ومنغمس في الشأن العام ومع هذا يتصرف بكل هذه السلبية، المثيرة للكثير من الشكوك، من الحق الفلسطيني.
* * *
سأتفق مع الكاتب بأن إسرائيل واحة أمان، والديموقراطية الوحيدة في المنطقة، وجنة المخترعين، وموطن العباقرة، وعكس ذلك في فلسطين وبعض الدول العربية، التي كتبت عنها وعن أوضاعها الخربة والمؤسفة مئات المقالات، لكن كل ذلك لم يعمِ بصري وبصيرتي عن الحق الفلسطيني. فهل لو تظاهر ألف من كبار علماء وأطباء ومخترعي وفيزيائي العالم، ومن كبار الفائزين بـ«نوبل»، يهودا وغيرهم، وادعوا ملكية بيتي، وأخرجوني عنوة منه، فهل علي القبول بذلك، فقط لكونهم علماء كبارا ويتّبعون النمط الغربي في حياتهم، وديموقراطيين، والعالم المتقدم يقف معهم؟
أحمد الصراف