تترسخ يوما عن يوم قناعات الكثيرين حول وجود «أطماع توسعية» لإسرائيل تتجاوز حدودها الحالية، وتستند هذه القناعات إلى أيديولوجيات دينية، وعشرات تصريحات الزعماء السياسيين، إضافة للسياسات المطبقة على الأرض، والرموز التي تبنتها جهات إسرائيلية مختلفة. فمفهوم «إسرائيل الكبرى» (Eretz Israel HaShlema) هو حجر الزاوية في الحديث عن الأطماع الإسرائيلية، التي يدعمها المسيحيون الصهاينة في أمريكا.
بالرغم من عدم وجود اتفاق موحد على الحدود الدقيقة لهذه الأرض، لكن الرواية الأكثر شيوعاً هي أنها من النيل إلى الفرات، وهذا نجده في سفر التكوين (15: 18): «فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلًا: لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ». كما يشاع أن الخطين الأزرقين في العلم الإسرائيلي يرمزان إلى نهري النيل والفرات، وبينهما النجمة التي ترمز إلى الدولة اليهودية.
كما يرى الكثيرون أن السياسات الإسرائيلية الفعلية هي الدليل الأكبر على النوايا التوسعية، بغض النظر عن التصريحات الرسمية، فالتوسع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة عام 1967، والتي يعتبرها المجتمع الدولي أراضي فلسطينية، بمنزلة «ضم زاحف» وخطوة عملية نحو تحقيق «إسرائيل الكبرى» على الأقل في شقها الفلسطيني. كما أن ضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة عام 1981، دليل آخر على أن إسرائيل لا تلتزم الحدود المعترف بها دوليًا وتسعى لتوسيع سيادتها. كما أن لها أطماعا لم تخفها في مياه الليطاني، اللبنانية، واحتلال أجزاء منها، واحتفاظها بسيناء لعدة عقود. كما نص ميثاق حزب الليكود (الأقوى في إسرائيل) على أن «حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل غير قابل للنقاش»، وكان يشمل ضم الأردن كجزء من أرض إسرائيل، قبل أن يعدل ذلك لاحقًا، إلا أن هذه الأيديولوجيا لا تزال حاضرة لدى أقطاب الحزب. كما تدعو حركات وأحزاب يمينية متطرفة ودينية، والتي أصبحت جزءًا مؤثرًا من حكومات إسرائيل، صراحةً إلى ضم الضفة الغربية بالكامل (يهودا والسامرة وفق التسمية التوراتية) وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، ويرون ذلك تحقيقًا لواجب ديني.
بالرغم من كل ما صدر من نفي من بعض الجهات إلا أن أطماع إسرائيل التوسعية وسياساتها الاستيطانية وضمها للأراضي، تبقى سياسة قائمة لدى تيارات مؤثرة في إسرائيل، وتنعكس على سياساتها على الأرض، وبعد كل هذه الحقائق والوقائع يأتي بعض العملاء، وهم حتما ليسوا جهلة، ويدعون أن عدد سكان إسرائيل، القليل نسبيا، لا يؤهلها لأن تحكم مصر وسوريا والأردن والعراق، دع عنك دول الخليج، ومجموع سكانها يقارب الـ 250 مليونا، متناسيا، عمدا، كصهيوني عميل، أن المد الاستعماري لبريطانيا وصل، بعد الحرب العالمية الأولى، لأقصى اتساعه، وتحكموا بمقادير 70 إقليما ودولة يسكنها 460 مليونا من البشر، تعادل مساحتها 36 مليون كم مربع، بالرغم من أن عدد سكانها في حينه لم يبلغ 43 مليونا، ونجحت في ذلك بفضل تقدمها، تكنولوجيا وعسكريا ومخابراتيا، إضافة لضعف وتخلف شعوب تلك المستعمرات، وانتشار العملاء الذين يعملون لمصلحة بريطانيا بينهم، حيث حكمت من خلالهم. وما انطبق على بريطانيا انطبق في حينه على غيرها من الدول الاستعمارية.
وبالتالي فإن وصف أي كلام عن الأطماع الإسرائيلية بأنه «تهريج»، وأن من المحال على ٧ ملايين اسرائيلي أن يحتلوا ويحكموا مئات ملايين العرب، هو التهريج والكذب بعينه، وذر الرماد في العيون، فمن مهام «العملاء» التهوين من الخطر الصهيوني، فلا يمكن أن يكونوا بكل هذا الجهل بالتاريخ.
* * *
بسبب الظروف فوق الاستثنائية التي تمر بها المنطقة وتحسبا لغير المتوقع ، فإننا نثني على قرار النائب الاول وزير الداخلية المتعلق بإغلاق الحسينيات خلال عاشوراء القادم، ونقل المراسم لاماكن اكثر أمنا.
أحمد الصراف