أخذتنا الحرب بين إيران وإسرائيل إلى أكثر من تناقض، وتشويش سياسي، وديني، وقومي، فالطرف الإيراني متطرف بتمسكه في "الثورة الخمينية"، ودستورها، والطرف الإسرائيلي لا يقل تطرفاً عن طهران في رفض حل الدولتين لقضية الشرق الاوسط.
توجيه قسوة النقد إلى إيران له مبرراته الخليجية، والعربية، والإسلامية، ولا يعني هذا الانتصار لإسرائيل في حروبها، لكن لابد من المصارحة، والتحليل بلغة سياسية برغماتية، ونظرة واقعية، للوضع الراهن. لم نتدخل كشعوب خليجية قريبة جداً من بلد "الثورة الخمينية"، في قرار الشعب الإيراني بإقامة دولة دينية، وتفهمت الكويت، ودول الخليج العربي قرار الشعب الإيراني، لكن طهران لم تتوقف عند حد ثورتها الإسلامية المزعومة!
والقراءة الواقعية، والعملية، تفرض علينا استحضار التدخل الإيراني في لبنان، ودورها في قيام "حزب الله" الإرهابي، ودعم نظام الأسد الدموي في سورية، وتسليح "الحشد الشعبي" في العراق، والإرهابي "الحوثي" في اليمن، للتحكم بمصير الشرق الأوسط، وإثارة الفوضى السياسية، والتوتر، وإدارة الإرهاب عن بعد. ومع هذه القراءة، وجب التذكير بدور المراجع الدينية الإيرانية المتشددة في اختلاق حجة التدخل في الشؤون الداخلية في الدول الخليجية بذريعة "نصرة" ما يسمى "المستضعفين"، علاوة على تحويل مناسك الحج، إلى نافذة للشغب، وإثارة الفزع، والتمرد السياسي، والديني. أما الديبلوماسية الإيرانية، فقد تركت لغة "اتفاقية فيينا"، ونصوصها، وركزت على لغة دستور "الثورة الخمينية"، في الخطاب، والعمل السياسي، والإعلامي، تجاه العالم، والمحيط الخليجي.
حديثاً، رفضت إيران "الخمينية" لغة الحوار، والاجماع الخليجي، والعربي، بالنسبة لحقل "الدرة"، والحق الكويتي في موارده الطبيعية، واختارت طهران نفوذها، وهيمنتها عبر أذرعها في العراق في التأثير على اتفاقية "خور عبدالله"، وتنفيذها! ومع ذلك، لم تتوان دول "مجلس التعاون" الخليجي في استنكار الهجوم الإسرائيلي على إيران، وتبني تحركاً سياسياً، وديبلوماسياً نشطاً لصالح أمن واستقرار المنطقة، وتجنيب الشعب الإيراني ويلات الحروب، والدمار.
لزاماً استحضار صفقة إيران بعد الاتفاق المبدئي بالنسبة لبرنامجها النووي في لوزان، حين استماتت طهران خلف صفقة صواريخ" S300" مع روسيا في العام 2015، وليس توفير احتياجات، ومتطلبات استهلاكية ضرورية للشعب الإيراني، لتغذية العمليات الحوثية الإرهابية وغيرها. ولزاماً استحضار تفاهم إسرائيل مع أميركا بعدم الاشتباك العسكري مع نظام صدام حسين اثناء الغزو العراقي للكويت، حين كثفت بغداد الهجوم الصاروخي على إسرائيل، لكن تل أبيب التزمت بالتعهد مع واشنطن، ولم ترد على الاستفزاز المفتعل، لكي تبقى قضية الكويت في مقدمة أولويات المجتمع الدولي، وتظل منطقة الخليج العربي بمنأى من معركة طاحنة. نحن لسنا بصدد دحض المعتقدات الدينية، أو إزالتها وتصفيتها، لكننا ضد "الخمينية"، ومع نفي الفكر الديني المتطرف، بشقيه السني والشيعي، والإسلام السياسي، والواجهات الإرهابية، مهما كان مصدرها، وضد فرض "الخمينية"، ودستورها علينا كمنهج ديني متطرف، وغطاء سياسي، وعسكري للإرهاب. ولسنا بصدد تغذية الطائفية، ولا التهاون مع المغذي للنزعات الدينية، والمذهبية، والتطرف الديني، لكننا نأمل بقراءة عربية، وإسلامية معتدلة لمشهد الرعب الإيراني في المنطقة، ونظرة سياسية فاحصة للوضع الحالي، من دون تجاوز حقيقة مصدر الاضطرابات، والتوتر، والإرهاب، وهو إيران "الخمينية".
وواقعنا الحالي، يعزز مسؤوليتنا في ضرورة تحصين مجتمعاتنا، والأجيال المقبلة من التطورات القاتلة، والخرافات، والعصبيات المسمومة بالطائفية، والرعب الإيراني، وهيجان ديني، وتعصب عرقي، واحتمالات جرنا إلى حروب، وصراعات لسنا طرف فيها أساساً. ولعلنا لا نبالغ في تأكيد الحاجة إلى مبادرة ديبلوماسية لاستيعاب السفارة الإيرانية لدى الكويت للغة "اتفاقية فيينا" وبنودها، والتوقف عن إشعال نيران الفتنة، والوقوف وراء ما سمي "الاستبيان" للمدعو سمير أرشدي، الذي تحتضنه المظلة الديبلوماسية! عموما، إن كان لابد من معرفة الرأي بشأن إيران؛ فمن الاجدى استفتاء الشعب الإيراني، للإجابة على الاستفهام؛ الخمينية...إلى متى؟
أشكر جميع من اهتم بالاتصال، والتعليق، على مقالتي السابقة بعنوان "الخمينية...ذكرى الإرهاب"، ورداً على كثافة الأسئلة عن مدى اهتمام وزارات الخارجية، والداخلية، والتعليم العالي بموضوع استبيان سمير أرشدي؛ الجواب: لا أعلم.