مِعمارُ البناية الإيرانية السياسية الحاكمة مِعمارٌ معقّدٌ، متداخلُ الخيوط، لكنَّ خيوطَ هذه الشبكة كلِّها تجتمعُ في قبضة واحدة، تلتفُّ عليها هذه الخيوط، هي كفُّ المرشد «رهبر» قائدِ الثورة الإسلامية، وموجّهِ الجمهورية الإسلامية، ومرجعِ كل السلطات، وصاحبِ القرار الأخير في عظائمِ الأمور، وربَّما صغائرها أحياناً.
صُممت هذه العِمارة بهذه الأوصافِ منذ قيام الثورة، أو الانقلاب، على الشاه عام 1979 بطريقة تدريجية، حتى بلغ النظامُ أشدَّه مع المرشدِ الحالي، والثاني، والأطول فترة، السيد علي خامنئي.
مع هذه الحرب «الوجودية» بالنسبة لإيرانَ الثورة الأصولية، فإنَّ موقف المرشد حاسمٌ، ومستقبله أكثرُ حسماً.
المرشدُ، كما جاءَ في الأخبار، وحسب التقرير المنشور في شبكة «العربية» نقلاً عن صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، متحصّنٌ في مخبأ سرّي، وقد أرسلَ رسالة وصفَها الكاتبُ الإيراني بهذه الجريدة، أمير طاهري، في مقاله بالأمس، بأنها «رسالة من وراء الاحتجاب».
الرجل - يجب الاعتراف بذلك - يتمتَّعُ بعزيمة صلبة، وروحٍ عصيّة، وإيمانٍ جارف بمعتقدات الثورة الإيرانية التأسيسية، القائمة على فكرتي: ولاية الفقيه، ونصرة المستضعفين، ومن الفكرة الأخيرة تُولد سياسة: تصدير الثورة، وهذا كله منصوصٌ عليه في الدستور الإيراني نفسه.
في تقرير الصحيفة الأميركية الذي نشرته قناة «العربية» على صفحتها، فإنَّ المرشد اختار مجموعة من البدلاء على طول سلسلة القيادة العسكرية، تحسباً لمقتل المزيدِ من مساعديه المهمّين، كما اختار 3 مرشحين لخلافته في موقع المرشد، لو حصل أي طارئ، كما كلّف - طبقاً للصحيفة - مجلس الخبراء، وهو المسؤول عن ذلك، بسرعة الاختيار واختصار الإجراءات.
الأوفر حظّاً منه كان الرئيس «سيد» إبراهيم رئيسي، كان اسمه هو الأكثر ترديداً للخلافة، لكن الرجل قضى في حادثة تحطّم المروحية الطائرة، في 19 مايو (أيار) 2024.
السيد خامنئي (86 عاماً) هو من بُناة هذا الصرح العقائدي الثوري العسكري الاجتماعي. والرجل ورث منصب المؤسس روح الله الخميني، منذ عام 1989 حتى اليوم، يعني 36 عاماً، هي عمر جُلّ نظام ولاية الفقيه في إيران، فالمؤسس نفسه، أي الخميني، لم «يُرشد» سوى 10 أعوام، قبل وفاته.
لكن إن ظلّت فكرة الولاية قائمة، وتربويات الثورة الخمينية مشتعلة، والأهمّ، شبكات القوة التي نسجتها السلطة وتلاميذ الثورة وعساكرها على مدى أكثر من 4 عقود، على نفس متانتها، فإنَّه من السهل على هذا كله، أن يُعيد إنتاج نفسه، تحت ظرف الحرب واستنفار المشاعر الوطنية الممزوجة بالدينية، ما لم تحدث مفاجآت سياسية... تاريخية.