كان من ضمن الأعداد الغفيرة من «جماعة الإخوان المسلمين» التي تعرضت للاعتقال في مصر عام 1954، أعضاء «لجنة الشباب المسلم»، فتوقف نشاط اللجنة في النشر بعد إقفالها. في عام 1957، شارك أحد أعضاء «لجنة الشباب المسلم» إسماعيل عبيد محمود محمد شاكر إنشاء دار نشر، اسمها «مكتبة دار العروبة» شاركهما في ملكيتها محمد رشاد سالم عضو «لجنة الشباب المسلم» حين عاد من إنجلترا، بعد حصوله على درجة الدكتوراه من جامعة كامبريدج عام 1959.
بتاريخ 31 أغسطس (آب) 1965، تعرض هؤلاء الثلاثة للاعتقال، فوضعت «مكتبة دار العروبة» تحت الحراسة. وبعد الإفراج عنهم، اشترى إسماعيل عبيد منهما نصيبهما في ملكيتها. ثم غيّر اسمها إلى «دار التراث».
في عام 1974، أصدرت مجموعة من «لجنة الشباب المسلم» مجلة اسمها «المسلم المعاصر»، وكان مقرها في بيروت، ثم انتقل مقرها إلى الكويت، ثم انتقل أخيراً إلى القاهرة. وكان صاحب الامتياز ورئيس التحرير جمال الدين عطية.
المجلة ابتداء من عددها الافتتاحي أثارت قضية مرفوضة عند الإسلاميين بمختلف تياراتهم، وهي المطالبة بـ«يسرنة الإسلام». الذي أثار هذه القضية هو الكاتب والمؤرخ فتحي عثمان في باب من المجلة مخصص للنقاش والسجال، كان عنوانه «حوار».
فقد توقع فتحي عثمان في هذا الباب أن تكون هذه المجلة «لسان (اليسار الإسلامي)، متابعة للاصطلاح السياسي الحديث في تقسيم القوى والجماعات والأفكار... إن الإسلام مظلوم حين يوضع دائماً مع (اليمين) لمجرد أنه دين. وحقاً أن القرآن يثني على أصحاب اليمين ولكن اليمين والشمال في تعبير القرآن عن جزاء الآخرة، غير اليمين واليسار في تقويم السياسة الحديثة للعمل في الدنيا لأجل الإنسان، ومنهج القرآن لتوجيه الإنسان يجعل المسلم في (قلب) اليسار».
هذه هي الحيثية الأولى التي بنى عليها مطالبته بـ«يسرنة الإسلام». ومن شاء أن يتعرف على حيثياته الأخرى، فليرجع إلى مقاله في العدد الافتتاحي من مجلة «المسلم المعاصر» الذي يحمل هذا العنوان «أتوقع أن تكون هذه المجلة».
وكان الأحرى بفتحي عثمان في هذه المطالبة أن يقول أتمنى لا أتوقع.
ودليلنا على ما نقول، هو شدة الرفض التي جوبهت بها مطالبته من قبل مثقفين إسلاميين، والتي تضمنتها أعداد تالية لعدد المجلة الافتتاحي.
الجديد في دعوة فتحي عثمان إلى يسرنة الإسلام أنها أتت من واحد هو من الإسلاميين الخلّص، وإلّا فهذه الدعوة دعوة قديمة في تاريخ اليسار والماركسية في العالم العربي.
ويسجل له أنه كان شجاعاً في طرحها في ذلك الوقت لأن الإسلاميين كانوا في أوج عدائهم لليسار والماركسية.ومن تاريخ هذه المجلة أنها تبنت قضية «أسلمة العلوم» و«أسلمة المعرفة» منذ ظهورها في العالم العربي والعالم الإسلامي.
وفي آخر هذا العرض لتاريخ «لجنة الشباب المسلم» أذكر أن المعهد العالمي للفكر الإسلامي الذي تأسس في أميركا عام 1981، يلتقي في أهدافه مع أهداف مجلة «المسلم المعاصر»، وكان أحد أهم مؤسسيه، وأعني به إسماعيل الفاروقي، من ضمن كتّاب هذه المجلة. وقد انضم بعض كتابها وبعض هيئة التحرير فيها إلى نشاطات ذلك المعهد.
لعل أول من أورد معلومات عن «لجنة الشباب المسلم» هو البحاثة والمحقق محمود الطناحي، وذلك في كتابه «مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي عن التصحيف والتحريف».
الكتاب في طبعته الأولى صادر عن مكتبة الخانجي عام 1984. والكتاب كما ذكر صاحبه هو مادة علمية أعدّها لتدريس مادة «تحقيق النصوص» على طلبة الدراسات العليا في كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى بمكة.
محمود الطناحي أورد معلومات عنها بمناسبة حديثه عن «مكتبة دار العروبة» الذي جاء حديثه عنها في 3 صفحات، وما يقرب من 5 أسطر. وقد جعل حديثه عنها خاتمة لحديثه عن نشر التراث العربي في مصر.
ثمة كتاب في تاريخ طبعته الأولى صدر قبل كتاب الطناحي، أورد معلوماتٍ عن «لجنة الشباب المسلم»، ومع ذلك لا أعدّه هو أول من أورد معلومات عنها.
الكتاب لعبد المجيد دياب، وعنوانه «تحقيق التراث العربي... منهجه وتطوره». طبعته الأولى صادرة عام 1983 عن منشورات سمير أبو داود، المركز العربي للصحافة.
المتوفر على شبكة الإنترنت هو طبعته الثانية الصادرة عام 1993 عن دار المعارف، وهي الطبعة التي قرأت فيها ما كتبه عن «لجنة الشباب المسلم».
ومع أنه لم يتيسر لي الرجوع إلى الطبعة الأولى في المكتبات العامة للتأكد من أن معلوماته عن «لجنة الشباب المسلم» كانت مذكورة فيها، فإني أجزم – استناداً إلى قراءتي لهذه الجزئية في طبعة كتابه الثانية – بأنه سطا على هذه المعلومات من كتاب الطناحي، وتصرف في بعضها بالاختصار.
أجزم بهذا استناداً إلى البيِّنات التالية:
البيِّنة الأولى، قال الطناحي: «في ختام حديثي عن تاريخ نشر التراث في مصر، أجد لزاماً أن أقف عند دار من دور نشر التراث في مصر...».
وقال عبد المجيد دياب: «في ختام حديثي عن تاريخ نشر التراث في مصر، أجد لزاماً أن أقف عند دار من دور نشر التراث في مصر...». الطناحي بشكل رئيس قسّم كتابه إلى «نشر التراث العربي في مصر» وإلى «نشر التراث العربي خارج مصر»، لذا فإن كلمة «ختام» التي استعملها في جملته الأولى في حديثه عن «مكتبة دار العروبة» ذات سياق في هذه الجملة. فحديثه عن هذه الدار التي كانت دار نشر للكتب ومكتبة لتوزيع الكتب الصادرة خارج مصر، كان – فعلاً – نهاية لحديثه عن «نشر التراث العربي في مصر». أما استعمال كلمة «ختام» في جملة عبد المجيد دياب الأولى في حديثه عن «إسماعيل عبيد» الذي اختار اسمه عنواناً للحديث عن «مكتبة دار العروبة»، فكان بغير سياق وغير مفهوم، فهو لم يقسم موضوع كتابه إلى نشر التراث في مصر، وإلى نشره خارجها.
إن حديثه عن إسماعيل عبيد أتى في سياق الحديث عن الجهود الفردية في نشر التراث، التي ذكر من أسمائها قبل ذكره اسم إسماعيل عبيد اسم كل من؛ فرج الله زكي الكردي، ومحمد منير الدمشقي، وحسام الدين القدسي، ومحمد حامد الفقي. وذكر بعد اسم إسماعيل عبيد اسم أمين هندية، واسم مصطفى محمد، واسم محمد علي صبيح وأولاده.
وبعد حديثه عن هؤلاء الثلاثة، تحدث عن «مركز تحقيق التراث في الهيئة المصرية العامة للكتاب» و«الدورات التدريبية في الجامعة العربية» و«جمعية الأدباء في مصر».
إن حديثه عن إسماعيل عبيد أو عن «مكتبة دار العروبة» – كما نرى – لم يكن «ختاماً» للحديث عن الجهود الفردية في نشر التراث ولا الحديث عن تاريخ نشر التراث في مصر، وإنما هو «بداية» السرقة العمياء من الطناحي في الموضوع الذي عنونه تحت اسم «إسماعيل عبيد».
البيِّنة الثانية، قال عبد المجيد دياب في كتابه «وكان يوجِّه اللجنة فكرياً شيخ العربية محمود شاكر، وشارك في نشاط اللجنة بتحقيق بعض الكتب، نذكر منها: رسالة الصلاة للإمام أحمد بن حنبل، وجمهرة نسب قريش للزبير بن بكار، ونشرت اللجنة: شرح أشعار الهذليين لأبي سعيد السكري، بتحقيق المرحوم عبد الستار فراج، ومراجعة الأستاذ محمد شاكر، وديوان عبد الله بن الدمينة، بتحقيق أحمد راتب النفاخ، وديوان قيس بن الخطيم، بتحقيق الدكتور ناصر الدين الأسد، وكتاب إيضاح علل النحو، للزجاجي بتحقيق الدكتور مازن المبارك، وكتاب حذف من نسب قريش، لمؤرِّج السدوسي، بتحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد».
هذه الأسطر المسروقة من أولها إلى آخرها من كتاب الطناحي، المشكلة فيها أن عبد المجيد دياب لم يميز في حديث الطناحي عن «مكتبة دار العروبة» بين حديثه عن نشأة «لجنة الشباب المسلم» وعن سرده لبعض عناوين كتب تراثية محققة نشرتها «مكتبة دار العروبة».
فالطناحي في الحديث الأول قال: «وكان تمويل اللجنة الأساسي على عاتق محمد رشاد سالم وحده، ثم كان يوجّه اللجنة فكرياً شيخ العربية محمود محمد شاكر. وقد شارك – حفظه الله – في نشاط اللجنة، بتحقيق رسالة الصلاة، للإمام أحمد بن حنبل».
وفي حديثه الثاني قال في موضع آخر: «وكان من بواكير أعمال الدار كتاب (شرح أشعار الهذليين)... ثم توالت النفائس فكان منه: جمهرة نسب قريش وأخبارها، للزبير بن بكار، بتحقيق شيخنا محمود محمد شاكر، وديوان عبد الله بن الدمينة...».
الدار هنا «مكتبة دار العروبة»، والطناحي هنا يعدد بعض منشوراتها لا منشورات «لجنة الشباب المسلم»، فما عدّده عبد المجيد دياب من منشورات اللجنة ليس صحيحاً منه سوى رسالة الصلاة للإمام أحمد. وللحديث بقية.