عماد الدين حسين
حينما يتصادم رجل الدولة ورجل الأعمال فمن الذي ينتصر ويفرض إرادته؟ وإذا كانت إجابة السؤال محسومة حينما يحدث الصراع في دول العالم الثالث فما هو الحال إذا كان الصراع في أمريكا أقوى دولة بالعالم؟
الشائع أن سلطة رجل المال هي الأقوى، وإن الاقتصاد هو الذي يقود السياسة، والسؤال: هل تنطبق هذه القاعدة على الصراع بين رجل الدولة رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، وإيلون ماسك رجل المال والأعمال والاستثمارات وقطب التكنولوجيا الأهم وواحد من أغنى أغنياء العالم؟
حتى هذه اللحظة وخلافاً للقاعدة السائدة فإن رجل السلطة هو الذي يبدو أكثر قوة وعنفواناً وتحدياً، والدليل أن ماسك بدأ يتراجع وأعلن أنه نادم على بعض منشوراته ضد ترامب، الأمر الذي رحب به البيت الأبيض. ندم ماسك جاء بعد تهديد ترامب له بعواقب وخيمة إذا سعى لدعم طعون ضد المشرعين الجمهوريين، الذين سيصوتون لصالح إقرار مشروع قانون الميزانية المثير للجدل في الكونغرس.
إذن تراجع ماسك نسبياً مقابل استمرار تحدي ترامب وتصعيده للتهديدات في الصراع الذي وصل ذروته، حينما تبادلا السب والطعن، بل والمعايرة بأمور شخصية. ترامب وماسك ظلا أكبر حليفين منذ انحاز ماسك لحملة ترامب، والتقديرات أن إجمالي تبرعاته للجمهوريين بلغت 290 مليون دولار. نتذكر أيضاً أن ماسك كان النجم الأكثر تأثيراً في حفل تنصيب ترامب، والأكثر وجوداً هو وأسرته داخل البيت الأبيض.
حينما كانت العلاقة سمناً علي عسل أسند ترامب إلى ماسك إدارة وزارة جديدة أسماها «الكفاءة الحكومية»، هدفها تقليص الإنفاق الحكومي غير الضروري، وتفاخر ترامب أكثر من مرة بأن ماسك نجح في توفير مئات المليارات، لكن هذه القرارات تسببت في مشكلتين أساسيتين، الأولى بين ماسك ووزارات وهيئات ومؤسسات شعرت أنه يتجاوز صلاحياته ويلغي صلاحياتها، ويتصرف برعونة وعشوائية، لكن وقتها كان ترامب معجباً بأداء ماسك، وقال إنه سيستمر في عمله، ولن يغادره أبداً! والمشكلة الثانية كانت مع الديمقراطيين، الذين شنوا حملة شعواء على ماسك باعتباره يلغي كل ما تم تحقيقه خلال عقود من مزايا للفقراء والطبقة الوسطى والطلاب والمساعدات الإنسانية في الداخل والخارج، ونتيجة لهذين العاملين وعوامل أخرى قرر ماسك الانسحاب، الأمر الذي أيده ترامب، وربما دفعه دفعاً للاستقالة، ما مثل نهاية صعبة لعلاقة اعتبرها كثيرون مثالاً حياً على إمكانية التزاوج ما بين السلطة والابتكار، بين صانع السياسات وساحر وادي السليكون. هذا الصراع سيجعل كثيرين من رجال المال يفكرون ألف مرة قبل الاقتراب من لهيب السياسة والسلطة، خصوصاً أن ماسك خسر حتى الآن 114 مليار دولار من ثروته.
بداية الصراع الفعلي أو الحرب المفتوحة كانت انتقاد ماسك لقانون التمويل الجمهوري الترامبي، ووصفه بأنه مخيب للآمال، وفاضح ومقزز، ومثير للاشمئزاز، في حين أن القانون هو عصب أفكار وتطلعات ترامب، فهو يريد أن يدمج كل وعوده وتمنياته وسياساته في قانون واحد يصدر من الكونغرس، وليس فقط عبر الأوامر التنفيذية.. وبالتالي فحينما يأتي الانتقاد من حليفه ماسك فهو يعني طعنة في الظهر لا يمكن التسامح معها.
ترامب رد على انتقادات ماسك للقانون بتهديده بقطع العقود الفيدرالية مع شركاته، حيث خسرت شركة تسلا 150 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد، بسبب مخاوف المستثمرين من فقدان الدعم الحكومي، كما انخفضت ثروة ماسك 34 ملياراً.
التقديرات أن الخلاف الفعلي بدأ حينما ظهرت شكاوى كثيرة من الجمهوريين من تسلط ماسك، ومدى التداخل بين عمل ماسك الحكومي ومصالحه الخاصة، الأمر الذي جعل ترامب يطلب مراجعة العقود الحكومية التي تستفيد منها شركات ماسك، ما اعتبره الأخير تهديداً مباشراً لمصالحه.
وعلى عهدة صحيفة واشنطن بوست فإن 17 مصدراً قالوا إن هناك قلقاً داخل الحزب الجمهوري وترامب شخصياً من إمكانية اتجاه ماسك إلى تأسيس حزب ثالث، قد يقلب التوازن الانتخابي، ما يضعف الجمهوريين، وإذا حدث هذا التوقع فلا يمكن أن يشن ترامب حرباً وجودية ضد ماسك. مرة أخرى فإن ندم ماسك قد يعنى أنه شعر بصعوبة وخطورة استمرار الصراع مع شخص في تركيبة ترامب المتهورة، والتي لا يمكن لأحد توقع تصرفاتها.
يدرك ماسك أنه مع كل ثروته لن يكون قادراً على هزيمة ترامب، لكن المؤكد أن ترامب وأنصاره يدركون أيضاً أن الصراع مع شخص بحجم ماسك وثروته ومنصته «إكس» قد يكلفهم الكثير، الأمر الذي يفسر لنا سر عدم اندفاع ترامب في الخصومة. السؤال: هل ندم ماسك يعني انتهاء هذه المعركة الفضائحية؟ أم أنها مجرد هدوء ما قبل العاصفة التي قد تطيح بكل مشروعات وشركات ماسك في الأرض والفضاء، وتسبب صداعاً كبيراً لترامب؟!