: آخر تحديث

عن ليبيا والحاجة لطوق النجاة

5
4
4

في مقدم المشاهد المؤلمة في عالمنا العربي المعاصر، ما يجري في ليبيا، ذلك البلد الشقيق، صاحب الثروات الأدبية والمادية، بعد قرابة عقد ونصف من القلاقل والاضطرابات، التي آن أوان وضع حد لها والتفرغ لإعادة بناء ليبيا الوطنية العصرانية بكل أبنائها، من دون استبعاد أو إقصاء أو عزل، ومن غير ارتكان لأي نوازع أو مبررات.

يبدو السؤال الذي يحلق في الآفاق اليوم: كيف يمكن إنقاذ ليبيا، ووضع حد ونهاية لسردية الصراعات الحادثة ما بين شرق البلاد وغربها، وربما جنوبها؟

المثير في شأن الجواب، هو أنه غير خافٍ على أحد، فخريطة طريق إنقاذ ليبيا، معروفة للقاصي والداني، لكن الحاجة كل الحاجة، لإرادة صادقة، قابضة على جمر المستقبل، صاعدة في معارج المجد، مذكرة العالم بدولة كافحت الاستعمار وانتصرت عليها، وحصدت استقلالها بفضل تضحيات شعبها على مدى عقود طوال.

يحتاج الحديث عن استنقاذ ليبيا، إلى التساؤل عن ثلاثة أنواع من الإرادات التي يرتبط مستقبل ليبيا بها: الإرادة الوطنية، والإرادات الإقليمية، ثم الدولية.

في زمن الوحوش بحسب غرامشي، أي في أوقات السيولة الجيوسياسية الأممية، كما هو حادث الآن للنظام الدولي، لا يمكن أبداً الرهان على إرادات دولية، فالعالم بالنسبة إلى الأقطاب الكبرى الدولية، لا يتجاوز رقعة شطرنج، تتنقل فيها القطع بهدف الفوز الساحق الماحق، ولا مكان على الخريطة لأصحاب النيات الأخلاقية، حيث البراغماتية الميكيافيلّية هي الحاكمة.

أما الإرادات الإقليمية، فموصولة بأمور عدة، منها الموقع والموضع الجغرافي، حيث جادت الطبيعة على ليبيا بمكانة فريدة، ذلك أنه فيما هي أفريقية من جهة، فهي عربية من جانب آخر، ومشاطئة لأوروبا من ناحية ثالثة، ما يجعلها عرضة لتجاذبات وتقاطعات تبدو متضاربة في بعض الأحيان.

هنا يبقى المخرج الوحيد الآمن والمضمون، هو الإرادة الوطنية لليبيين أنفسهم، ووحدة كلمتهم وقدرتهم على تحديد وتجديد بوصلة بلادهم من خلال بعض الخطوات اليسيرة في مظهرها، الكبيرة الأهمية في مخبرها.

لن يمكن لليبيا أن تنطلق إلى الأمام من غير توافق سياسي داخلي بين أبنائها، لكنه توافق مشروط بأمرين، التخلي عن الرؤى الدوغمائية، والخروج من عباءة التوجهات الآيديولوجية.

أما عن الشرط الأول، فيكاد يكون إشكالية وعقبة قولاً وفعلاً، لا سيما أن التجارب المتعددة في العقود الأربعة الماضية، أظهرت لنا أن الأفكار والرؤى من هذا النوع، عادة ما تقود إلى تشظي الأمم والتصارع بين أبنائها، انطلاقاً من كونها مطلقات، لا تعرف قسمة الغرماء، ولا آليات التوافق النسبية.

فيما الآيديولوجيات تتراجع عالمياً، وما عادت الشعوب تحيا بهذا النوع من الفكر السياسي، بل أضحت الميثودولوجيات، هي البديل الأفضل والأكمل لقيادة الشعوب، وخاصة في الأزمنة المعاصرة، حيث عالم الذكاءات الاصطناعية، وما بعد الإنسان البيولوجي، والحوسبة الكمومية، وغيرها من النوازل العصرانية.

تحتاج ليبيا في الوقت الحاضر إلى أمر لا بد منه، يتمثل في تعبير يقال باللغة اللاتينية CONCORDIA أي وحدة القلب، التي من خلالها سيكون من اليسير قبول الآخر، لا عدُّه «الجحيم»، على حد تعبير الفيلسوف الفرنسي الوجودي الشهير جان بول سارتر.

وحدة القلب، وتغليب الصالح العام الليبي، وتكريس الثروات الليبية لصالح الليبيين أنفسهم، ستقود حتماً إلى توحيد المؤسسات السياسية، والعسكرية والمالية، تحت راية واحدة، تهدف إلى بلورة ليبيا الموحدة، وذلك من خلال عملية سياسية شرعية، تبدأ من عند انتخابات نزيهة تشمل كل أرجاء البلاد.

وهذا المسار، لا يمكن أن يستقيم إلا من خلال خروج جميع الميليشيات العسكرية العاملة في الأراضي الليبية، وأن يكون السلاح في يد الدولة فحسب، جيشاً ومؤسسات أمنية، لا غير.

تبدو هذه الجزئية مقلقة، لا سيما في ضوء التجاذبات الدولية، وحسابات المصالح التي تنظر لليبيا على أنها «كنز علي بابا» النفطي، والسياحي، والصحارى المملوءة بالكنوز المختلفة من المعادن.

هنا يتساءل المرء: هل هناك حاجة ليبية لدعم خارجي، ينهي تلك الأزمات المتراكمة؟

ربما التعويل الأصيل، ينبغي أن يلقى على عاتق العالم العربي، وعلى جامعة الدول العربية، ومن غير إهمال الأمم المتحدة وبقية المؤسسات الأممية، القادرة على دعم ليبيا لتتجاوز خطر الانقسام البادي أمام أعيننا في الوقت الراهن.

تحتاج ليبيا إلى إصلاح أمني وعسكري عاجل، وعدالة انتقالية سريعة وناجزة، والتفرغ لإعادة بناء الاقتصاد الوطني، ضمن رؤية لبناء هوية وطنية جامعة، يشملها خطاب إعلامي يوفق ولا يفرق، ويعزز من الهوية الليبية الواحدة، عبر دروب تعليمية وثقافية واجتماعية متناسقة لصالح الإنسان الليبي.

احموا ليبيا الدولة العربية الأبية... ليبيا تستحق الأفضل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد