رشاد أبو داود
يوشك السيرك السياسي الذي يمارسه نتنياهو على الحلبة الداخلية الإسرائيلية على الانتهاء، ومعه نهاية اللاعب الرئيس نفسه. النهاية يكتبها اليهود الشرقيون المتدينون «الحريديم» الذين يهددون بالانسحاب من الائتلاف اليميني الحاكم، ما يعني انهيار الحكومة والذهاب إلى انتحابات مبكرة لن يفوز فيها نتنياهو وتكتله الليكود بأغلبية تمكنه من البقاء رئيساً للحكومة، حسب استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي تفيد بأنه لن يحصل سوى على 48 % من مقاعد الكنيست –البرلمان البالغ عددها 120 مقعداً.
السبب الرئيس في موقف الحرديم؛ وهم طائفة ترفض الخدمة في الجيش وتتفرغ للعبادة؛ اكتشافهم أن نتنياهو كان كعادته يكذب عليهم كما يكذب على الكل، وكذلك تنصله من وعد لهم بتمرير قانون إعفاء أبنائهم من الخدمة بالجيش، وهو ما يعارضه أغلبية الإسرائيليين. أما السبب المباشر الذي أقام الدنيا على نتنياهو ولم يقعدها حتى كتابة هذا المقال، فهو التسريب الصوتي الذي بثته القناة الـ 13 الإسرائيلية لنتنياهو، يتعهد فيه لحاخام حريدي بالدفاع عن إعفاء الحريديم من الخدمة في الجيش.
كما اتضح أن التسجيل الذي بثته القناة الخاصة، يعود لمقابلة بين نتنياهو وزعيم التيار الحريدي - الليتواني، الحاخام موشيه هليل هيرش، جرت في مارس الماضي، أي قبل وقت قصير من تصويت الكنيست على الميزانية، حيث هدد الحريديم وقتها بالتصويت ضد مشروع الميزانية.
وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية في الملف الصوتي المسرب: «نحتاج إلى وقت لتمرير القانون (الإعفاء من التجنيد) بشكل صحيح .. بحيث لا يمكن الطعن فيه .. ونحن قادرون على ذلك، وسأقوم به». الأمر الأخطر في التسريب أن نتنياهو أقر صراحة بأنه أقال وزير الحرب غالانت ورئيس الأركان هاليفي، في ذروة الحرب، بسبب رغبته في دفع قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية، قائلاً: «كانت لدينا عقبات ضخمة، وقد أزلناها .. أنت تعلم، عندما يكون وزير الدفاع ضدك، ورئيس الأركان ضدك، لا يمكنك التقدم. الآن يمكننا أن نتقدم».
نتنياهو لم يتعلم من مقولة الرئيس الأمريكي الأسبق، أبراهام لنكولن: «يمكنك أن تخدع بعض الناس كل الوقت وكل الناس بعض الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت» .. فقد كذب على رئيس الشاباك، رونين بار، وأقاله .. وكذب على منتدى أهالي الرهائن الذين وصفوا خطاباً له بأنه مليء بالأكاذيب والتلفيقات.
خارجياً كذب على الوسطاء، مصر وقطر بشأن معبر رفح، وعلى الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن عدة مرات .. وها هو يكذب على الرئيس ترامب الذي مدد له حبل الكذب ربما إلى حين، وفي كل مرة يتمادى نتنياهو في ارتكاب جرائم بحق الإنسانية في غزة ويتحدى القانون الدولي ممثلاً في محكمتي العدل والجنائية الدولية .. وهو يغوص في مستنقع من الأكاذيب ويجر معه الدولة إلى الخطر الوجودي، وهو ما يحذر منه مسؤولون إسرائيليون وجنرالات سابقون كباراً.
وكما يقول محللون إسرائيليون: «انظروا إلى صورة إسرائيل في الخارج كيف تغيرت إلى الأسوأ حتى من أقرب حلفائها»، مشيرين إلى أن التظاهرات غير المسبوقة، التي تعم عواصم ومدن العالم خصوصاً لندن وباريس وبرلين ومدريد، والتي تندد بقتل المدنيين من أطفال ونساء بالقنابل وبالتجويع .. لقد أصبحت دولة معزولة ومنبوذة بعد أن عملنا على إقناع الغرب أنها واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. أدرك الإسرائيليون أن الفيل يحطم محتويات دكان الخزف الذي عملت الدعاية الإسرائيلية على صناعته طيلة 76 عاماً .. ويخشون أنه من أجل مصلحته الشخصية يضحي بوجود إسرائيل.رشاد أبو داوود