نحن اليوم في يوم الحج الأكبر، أو يوم عيد الأضحى، والحاجُّ يقضي نهاره وليله حالياً في تأدية عبادة الحج ويذكر اسم الله في أيامٍ معلومات، بين طواف وسعي وتلبية وقرابين لله.
فكل عام وأنتم بخير وسعادة وقبول.
هذه المناسبة الشريفة، تستدعي التأمل في عاطفة الدين العميقة، وهي عاطفة عاصمة للبشر، عموم البشر، من الوقوع في حُفر الفوضى وضياع المعايير، هذا أصل الأمر، وهي عاطفة عميقة الجذور في أغوار النفس الإنسانية، مهما اختلفت العصور، وتغيّرت مظاهر العالم من حولنا، وذلك الشعور أو الغريزة العاطفية، هي محلّ بحثٍ قديمٍ جديدٍ لدى أهل النظر والحكمة، والخلاصة أن الانتماء الإيماني مُكّونٌ جوهري في طبيعة النفس الإنسانية.
لأنها كذلك، فإن بعض الناس يسعى لتوظيف هذه العاطفة العميقة، في اتجاهات مادّية مصالحية بحتة، أو حتى في خصومات شخصية، باسم الدين، ويحضرني في هذا المقام طرفة سمعتها من راويها، أن شخصين اختصما إلى القاضي في نجد، قديماً، ففلج أحدهما الآخر، وغلب بالحجّة، فبُهت المفلوج، وقال للقاضي بالعامية النجدية: «بس يا شيخ، أحسن الله إليك، ترا فلان يتتّن!». والمعنى أيها القاضي إن فلاناً خصمي، يتعاطى التدخين (تُتن) يريد بذلك إسقاط عدالته لدى القاضي، وكان التدخين جريمة «دينية» كبيرة في السابق القديم.
حول توظيف الدين في المصالح، قرأت خبراً عن معاقبة وزارة الأوقاف المصرية لبعض «الدعاة» المشاهير، التابعين لها، هذه الأيام بسبب تحدّي هؤلاء المشايخ لقرار الوزارة بعدم الحجّ إلا بأخذ إذنٍ من الوزارة.
تبيّن، حسب الخبر المنشور، أن هؤلاء الدعاة والأئمة سبق وأن سافروا لأداء الفريضة من قبل، إلا أنهم سافروا هذه المرة من أجل الدعاية لشركات السياحة.
من وقتٍ لآخر يتورط بعض من يوصف بالشيخ أو «الداعية» - وهو مصطلح جدلي ليس هذا موضع شرحه - في الترويج لمنتجات تجارية، أو سياسية، مقابل مصالح مادّية أو معنوية، والأمثلة على ذلك كثيرة، بعضهم روّج لشركات أو بنوك أو شخصيات بعينها، حتى يتهافت العامّة وأشباه العامّة، على هذا المنتج أو تلك الشركة أو ذاك الوجيه.
لعلّ من الأمثلة الصارخة ما ذكره الوزير والمحامي الموريتاني محمد ولد أُمّين في برنامج «سجال» على شبكة «العربية» سابقاً، عن فتوى «الداعية» الموريتاني «الإخواني» محمد الحسن ولد الددّو عن تحريم الدجاج المصري لصالح الدجاج التركي! أن ولد الددّو أفتى بإباحة تناول الدجاج التركي وتحريم الدجاج المصري لمصالح خاصة به مع الدجاج التركي، حسب الحقوقي الموريتاني!
الدين نبيلٌ، والإيمان رفيعٌ، فوق طين المصالح الشخصية اللزجة الزلِقة، وكل عام وأنتم بعافية وراحة بال وصحة وأمن في الأوطان.