يقول الإداري الألماني، مارسيل كراس Marcel Krass (رابط حديثه موجود أدناه)، إنه عمل لفترة في قسم المبيعات، الذي يشمل منطقة الشرق الأوسط، في شركة كبيرة، وفي أحد الأيام تواصل معه أحد العملاء، ممن يستوردون بضائع من الصين بكميات كبيرة، ترسل لوطنه، وعرض عليه صفقة سيحصل منها على عمولة مجزية، مقابل قيامه بإرسال شحنات محددة لألمانيا، لتقوم شركته بوضع ملصق «صنع في ألمانيا» على كل قطعها، ويقوم تالياً بتصديرها لدولته العربية، وأن العملية ستتكرر بين الفترة والأخرى.
يستطرد كراس قائلاً إنه رفض، بطبيعة الحال، العرض، بالرغم من أنه كان مغرياً، لكن المفاجأة كانت في ردة فعل العميل على رفضه للعرض المغري، حيث قال له إنه يتفهم مخاوفه وقلقه من احتمال ألا يتسلم عمولته، وانه يجب أن يطمئن، لأنه يتعامل مع مسلمين، يلتزمون بكلمتهم، وهم صادقون، ولا يجب عليه القلق على تلقي عمولته، وان الرجل قال ذلك في اللحظة نفسها، التي كان يعرض فيها عليه خيانة أمانته، وان ذلك حدث لعدم إدراك الرجل لعدم أخلاقية ما كان يعرضه أو يقوله، فهو شخص، من خلال معرفته به، يؤدي واجباته الدينية بشكل روتيني، وربما ذرف الدموع خشوعاً، عندما أدى فريضة الحج، وسبق أن أخبره عنها، لكنه لا يلاحظ، غالباً، الفرق بين أقواله وأفعاله، وبين حقيقة كونه شخصاً متديناً، أو ما يجب أن يعنيه أن يكون المرء متديناً بحق!
***
وفي حادثة أخرى، كنت حاضراً عليها، ووقعت في معرض تجاري ضخم في الصين، في أحد الأكشاك المخصصة لشركة كبيرة، كنت أتعامل معها، ننتظر دورنا. وكان هناك تاجر خليجي يجادل مسؤول المبيعات الصيني بضرورة تخفيض السعر، وكان الآخر يصر على أن أسعارهم محددة. وفي النهاية، تم الاتفاق على تقليل وزن البضاعة بنسبة معينة مع تخفيض السعر بالنسبة نفسها، شريطة ذكر الوزن من دون خصم تلك النسبة منها. وفي المساء، التقينا جميعاً على مائدة العشاء، من دون أن يعرف ذلك الشخص هويتي، فقد كنت مستمراً بالتحدث مع الجميع بالإنكليزية. عند بدء أخذ الطلبات، فوجئت بأنه يطلب من النادل أن يكون طعامه نباتياً، فهو، كمسلم، لا يتناول إلا ما ذُبح وفق الشريعة، ورفض أن يحتوي طعامه على أيّة منتجات خنزير، متناسياً تماماً أنه في صباح اليوم نفسه قام بكل برودة دم، وغالباً بغير وعي، بغش عملائه، من دون أن يؤنبه ضميره، على افتراض وجوده!
***
معاناة البعض منا كبيرة في التعامل مع الأغلبية، خاصة عندما تتصادم الممارسات الدينية مع القضايا الأخلاقية وحقوق الآخرين. فكثيرون لا يجدون مثلاً في إيقاف مركباتهم في المكان الخطأ، وتعطيل مصالح الناس، ما يستحق القلق، طالما أنه ذاهب لأداء واجب ديني، وهكذا مع عشرات التصرفات الأخرى، سواء كانت مخالفات مرور أو غيرها. ولم يكن غريباً قيام الجهات المعنية، وفي ظاهرة ربما غير مسبوقة في العالم، وفي دولة بها أكبر عدد من المساجد، وأكبر عدد من المؤذنين والأئمة، وأكبر عدد من ممارسي الواجبات الدينية، بفرض البصمة الإلكترونية على كل موظفي الحكومة، والسبب عدم ثقتها في التزام حتى شديدي التقوى منهم، ولو ظاهرياً، بمواعيد الحضور والانصراف.
وفي عاصمة بلد عربي كبير نجد سائق سيارة الأجرة يصر على تشغيل الراديو على محطة القرآن، بصوتٍ عالٍ، لكنه يصر، في الوقت نفسه، على عدم تشغيل عداد الأجرة.
قلناها آلاف المرات، ولن نتعب من تكرارها: نحن لسنا بحاجة لجرعات تديُّن، فالدين صامد، كما صمد لـ1400 عام، بقدر حاجتنا لجرعات أكبر لدروس في.. الأخلاق.
***
رابط الحديث
https://www.instagram.com/reel/DGTAtPyCinz/?igsh=MWJzYnl6MWk4MzAyaA%3D%3D
أحمد الصراف