سلطان السعد القحطاني
حين تتابع التحركات السعودية في الإقليم والعالم، يتجلى بوضوح جوهر السياسة التي تنتهجها: سياسة قائمة على التوازنات الدولية، وتسخير العلاقات الخارجية كأداة لتعزيز الاستقرار الدولي، لا الانحياز لمحاور أو الوقوع في فخ الاستقطابات الحادة.
السياسة الخارجية للمملكة تقوم على مبدأ واضح: «لسنا مضطرين للاختيار بين شركائنا»، كما عبّر عنه الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية، في أكثر من مناسبة. بل تصمم المملكة علاقاتها بما يخدم مصالحها الوطنية أولاً، ويحفظ أمن واستقرار المنطقة ثانياً. وعلى هذا الأساس، نجحت الرياض في إدارة علاقاتها مع القوى الكبرى، من الولايات المتحدة إلى الصين وروسيا، رغم التوترات المتصاعدة بينها.
يرى الباحث في مركز (تشاتام هاوس) البريطاني، نيل كويليام، أن «السعودية باتت تمتلك سياسة خارجية أكثر استقلالية وواقعية، فهي تنسج تحالفاتها بعناية، ولا تسمح بأن تكون طرفاً تابعاً لأجندات الآخرين». ويضيف أن «هذا النهج عزّز من مكانة المملكة في النظام الدولي الجديد، بوصفها قوة توازن إقليمي».
بين واشنطن وبكين، تدير المملكة علاقة تكاملية مدروسة. فالولايات المتحدة تبقى شريكاً استراتيجياً تاريخياً، ترتبط بها المملكة بعلاقات أمنية وتقنية واستثمارية عميقة. أما الصين، فهي شريك اقتصادي محوري في مشاريع البنية التحتية، والطاقة، والتقنية، في إطار يتسق مع مستهدفات رؤية 2030.
يقول مايكل ستيفنز، الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI): «السعودية تمارس سياسة خارجية متعددة المسارات، وتفهم جيداً أن قوتها تكمن في التنويع، لا في الانحياز»، مضيفاً أن «الرياض أثبتت قدرتها على الموازنة بين علاقاتها التقليدية والناشئة، دون أن تخسر ثقة أي من الأطراف».
وعلى صعيد العلاقة مع روسيا، مثّل التعاون في إطار (أوبك بلس) نموذجاً عملياً لما يمكن أن تحققه الدبلوماسية الاقتصادية. التنسيق السعودي- الروسي ساهم في استقرار أسواق النفط العالمية، في وقت تعاني فيه الأسواق من تقلبات جيوسياسية حادة. كما أن قبول موسكو وساطات سعودية في عدد من الملفات يعكس تقديراً روسياً للدور السياسي المتنامي للرياض.
هكذا، تواصل المملكة تعزيز مكانتها كقوة توازن وحوار في عالم مضطرب، عبر دبلوماسية مرنة، واقعية، ومحكومة بحسابات المصالح الوطنية أولاً، والاستقرار الدولي ثانياً.