لم تكن العلاقات السعودية - الأميركية إلا علاقات تشاركية وفعّالة وذلك عبر التاريخ؛ نعم يأتي بعض الرؤساء الذين لا تمتزج أفكارهم ولا أهدافهم مع رؤى السعودية، ولكن حكمة الكبار تغلّب الاستيعاب على الانفعال، والصبر على القطيعة أو العداء.
في عهد الرئيسَيْن الأميركيين السابقين باراك أوباما أو جو بايدن لم تكن العلاقة على مستوى الطموح السعودي، ولكن رغم ذلك مرّرت السعودية تلك السنين عبر مسارَيْن؛ أولهما: الإبقاء على الحدّ المعقول من الشراكة والتعاون والفهم ضمن إمكانيات الرئيس الأميركي وفريقه حتى لا ينفرط العقد، وهذا ما حدث في أشدّ المراحل حساسيةً كما في ولاية بايدن. ثانيهما: التركيز على الجوانب الاقتصادية وتأجيل النقاش حول الخلافات، أو المشاريع الإقليمية المتنازع عليها، خصوصاً ما يتعلّق بمواضيع الإرهاب، أو الملفّ الإيراني، ويتداخل مع هذا الملفّ الموضوع اليمني.
لقد كانت الزيارة التاريخية للرئيس الأميركي دونالد ترمب محورية للإقليم. ذلك يعود إلى الكيمياء والفهم القوي بين ترمب وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي قاد دفّة الزيارة نحو نجاحٍ مبهر أذهل العالم. كانت كلمة الأمير المهمة خريطة وبوصلة نحو المستقبل الذي ينتظر الإقليم كله، لا السعودية وحدها، ولعلي أوجز بعض التأملات حول هذه الزيارة والأفكار التي طُرحت سواء على مستوى الكلمات، أو الصورة، وبرنامج ترمب في الرياض، وهي على النحو الآتي:
المجال الاقتصادي: زار ترمب الرياض بعد ثماني سنواتٍ من الانقطاع، ليرعى علاقة امتدت لأكثر من تسعين عاماً. لقد رأى التطوّر المذهل. زيارة تتوّج التحالف التاريخي الذي شمل التعاون في الحرب على الإرهاب، والاقتصاد، والتغيير الاجتماعي، والمجال العلمي والتقني. وما كانت هذه العلاقة لتستمرّ لو لم يكن لها جذور عميقة مؤسّسة منذ أول لقاءٍ بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت. لقاء جعل المنطقة أكثر نمواً وازدهاراً وحيويّة، وفي حين كان المنقّب خميّس بن رميثان يبحث عن الماء اكتشف مع فريقه الأميركي النفط، فتفجّرت الرمال عن ذهبٍ جعل الصحارى كلها خضراء، وعاش الناس حياة الرفاهية والبهجة والزهو. لقد تحدّث ترمب عن هذه النقلة بقوله: «إنها معجزة العصر وبطريقةٍ عربية». بالتأكيد ما تشهده دول الخليج من الرياض إلى أبوظبي ودبي والمنامة، كلها معجزات، من يصدّق أن الصور التي نراها عن تلك المدن قبل خمسين عاماً ستتحول إلى مدنٍ ساحرة تسلب الألباب! من يتخيّل أن إنسان الصحراء استطاع ترويض الطبيعة وزرعها وحرثها وبناءها، ولتكون في مصافّ الدول الكبرى بالعالم!
المجال السياسي والفكري: بالتأكيد يعبّر رفع العقوبات الذي أمر به ترمب عن سوريا؛ تلبيةً لجهود ولي العهد، عن «فرصة» للقيادة السوريّة، وآية ذلك أن ترمب قال للقيادة السورية: «أروني شيئاً مختلفاً»، والقوّة السعودية سعت بجهدٍ حثيث لرفع المعاناة عن الإنسان السوري. إن التطوّر الفكري أساسي من أجل إيجاد الشراكات السورية مع الغرب، وهذا ضروري. على المستوى الإيراني فإن العروض لن تستمر إلى الأبد كما قال ترمب، وعليه فإن الاستمرار في حشد الأصوليات وتركيب الجماعات، وتجنيد العصابات؛ أمر لن يكون مقبولاً في المستقبل، وليس مستبعداً أن يستعمل القوة ضد العصاة، ولمح إلى ذلك بجملة: «القوة من أجل إحلال السلام».
مجالات السلام: تحدّث ترمب عن الاتفاق الإبراهيمي، وأهمية السلام، وبوّب لذلك بشكلٍ واقعي. إن نظريات الصراع والشرّ والدم لا بد أن تُهزم إنْ اليوم أو غداً ولكن لن تستمرّ. لأكثر من نصف قرن موّلت إيران المقاتلين وأسّست للفيالق، وغرست العصابات. يسأل ترمب إيران وباكستان والهند معاً: لماذا لا نترك لغة الصواريخ ونتجه نحو الصفقات التجارية؟ سؤال منطقي، سؤالٌ إجابته مضمّنةٌ به.
الخلاصة؛ إن كلمتي الأمير محمد بن سلمان والرئيس ترمب حملتا عناوين مملوءة بالفرص لدول الإقليم المنكوبة، فلتركب القطار مع التنمويين الصاعدين. دول ومجتمعات أرهقتها الآيديولوجيات، وكسّرت مجاديفها الزعامات. لقد اختصر ترمب كل ذلك التحدّي حين قال: «علينا إيقاف الغباء».