: آخر تحديث

الدستور والشهادة الزئبقية!

2
2
2

بموازاة انتظار التعديلات الدستورية المتوقعة، التي لم تتضح ملامحها منذ حل مجلس 2024، وتعليق بعض مواد الدستور في العاشر من مايو 2024، تحولت ساحة الصحافة الكويتية إلى نافذة جلد الدستور، وليس جلد الذات لتبرير "الحاجة لدستور جديد كلياً"! حشد الرأي ضد الدستور بهذا الوقت، والمطالبة بإلغائه، من أصحاب الشهادة الزئبقية لا يثير الاستفهام من الهدف، بل يؤكد الرغبة بإثارة البلبلة، والإحباط، أو تجييش بعض صفوف الرأي العام، والجهات السياسية ضد الدستور، وهي صناعة رائجة!

واقع الحال يحتم شرح مكامن الخلل، والثغرات، والعثرات، والفجوات، في الدستور الحالي، والبدائل المثلى، والأفضل للدولة والشعب، وليس نفي صلاحية الدستور بالكامل! جاز انتقاد الممارسة النيابية الماضية، والحاجة لتصويب مسار العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، من دون الحاجة لتصدير رأي مبتور، أو قاصر أو متهور، عن الدستور، ونقد غير حصيف، لنصوصه، لتبرير "الحاجة" لإلغاء الدستور، واستبداله بدستور جديد "كلياً". الكويت، فعلاً، بحاجة إلى مبادرة حكومية، أو شعبية، أو إعلامية لمناقشة هادئة، وعملية مراجعة دقيقة، ونظرات فاحصة، لتحليل طبيعة المعوقات، التي اعترضت برامج عمل، وخطط، ودور حكومات، ومجالس نيابية خلال السنوات الماضية. لدينا تجربة نيابية حديثة لا تخطئ العين في حجم عيوبها، ومثالب عملها، وتخلفها السياسي، والثقافي، وطغيان عصبيات اجتماعية قاتلة من بعض النواب خلال الفترة الممتدة من 2013 حتى 2020، حين "زحفت" السلطة التشريعية على صلاحيات الحكومة. ولدينا انحراف شديد في لغة الحوار، والعمل النيابي في الانتخابات، ومجالس في الأعوام 2022، و2023، و2024، وتعسف في استخدام الأدوات الدستورية، واستهداف للحكومة عموماً، بسبب ضعفها، وغياب التناغم الوزاري، والعمل المؤسسي، وتواضع الأداء، وجرأة المواجهة الدستورية، والرضوخ للمساومات النيابية!

وبالنسبة، لما أثير عن استبدال الدستور، فإن ذلك يقودنا إلى الدوران في حلقة مفرغة عن أكثر من "علة"، ومن الأجدر، وبدلاً من التحريض ضد الدستور، مراجعة ثقافة الديمقراطية في المجتمع والدولة، لأن الوضع الدستوري لا يحتمل آراء زئبقية، ولا تجاهل لنظام الصوت الواحد الانتخابي! بالتأكيد، لا يجوز الخوض في وطنية نواب الأمة، والتشكيك فيها، فمن الواجب إحسان النوايا في الانتماء، والوطنية في الجميع، من نواب أو مواطنين، حتى من يقف ضد الديمقراطية الدستورية، من دون التقليل من شأن فئات، وشرائح المجتمع، ومكوناته. أما بشأن "المثقف دستورياً وقانونياً"، فالمنطق السياسي، وعدالة الحوار، والحياد، تحتم مراجعة تصرفات الرئيس السابق للمجلس، وبعض النواب خلال الفترة الممتدة من 2013 حتى 2020، وتقييمها على أساس دستوري، وقانوني، وفكري، وثقافي، ومدى الالتزام بتطبيق اللائحة الداخلية، لكي نفهم مغزى "الحاجة لدستور جديد كلياً".

بطبيعة الحال، يأتي الاهتمام بالدستور من زوايا مختلفة، فمنها المناصر لقواعد ومبادئ الديمقراطية، ونزع اسنان السلطة التشريعية أو التهجين، ومنها المؤيد للتنقيح الخاص "بلقب الإمارة أو بالمزيد من "ضمانات الحرية والمساواة"، كما نصت عليه المادة الدستورية رقم 175. لكن يبقى أحد معايير المقارنة العادلة، والمراجعة الحصيفة لنصوص الدستور الحالي، على أساس الموقف من الديمقراطية كمبدأ، وميثاق، بين الحاكم والمحكوم من دون تجاوز حقيقة بداية الشورى في العام 1921.

لقد وقع مجموعة من الشعب الكويتي من أهل الوعي السياسي، والثقافي في ديوانية الحاج ناصر البدر، وثيقة الشورى في 22 فبراير 1921، التي نظمت وراثة نظام الحكم، بهدف "إصلاح بيت الصباح لكي لا يجري بينهم خلاف في تعيين الحاكم". أما بالنسبة للتنمية، وطاقات الشباب، فالمسؤولية تتحملها الحكومة، التي لم تكن قوية في طرحها، وتماسكها، ورؤيتها التنموية، والسياسية، ووضوح برامجها، وخططها التنفيذية، وكل ذلك لا علاقة له بالدستور، والمذكرة التفسيرية.

لا يزال شريط الأحداث النيابية، والحكومية، والصحافية، ماثلاً وحاضراً أمامنا، وربما جاز التذكير بالابتعاد عن انتقام مبطن ضد الدستور، لظروف وأسباب شخصية لا داعي لنبش قبرها!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد