: آخر تحديث

الحقبة الجديدة من التاريخ.. تراجع النووي وتقدم الاقتصاد !

3
3
2

محمد الساعد

قبل أيام وقف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يحمل بين يديه أول نموذج للإقامة الذهبية في أمريكا، إقامة قيمتها خمسة ملايين دولار، وهو يقول: إنها جيدة وجذابة!

هل يعقل ذلك؟ كيف تحولت أمريكا من أرض الأحلام حيث كان يغشاها الحالمون والطامحون والفقراء لصناعة مستقبل بديل لماضيهم في مواطنهم الأصلية، لقد بنيت أمريكا على تلك الفكرة؛ فملايين الأوروبيين الذين هاجروا منتصف القرن السابع عشر وما بعده كانوا تواقين للانفصال عن أوروبا الفقيرة والذهاب إلى الأرض الجديدة حيث الفرص البكر وأحلام الثراء، كانت السفن القادمة من سواحل إنجلترا وهولندا وألمانيا وفرنسا كقطار من البشر محمل بالخبرات والمهنيين والصناع والمزارعين المهرة، منقطعين عن عالمهم القديم ليؤسسوا عالماً جديداً.

اليوم تحولت أمريكا من جاذبة الفقراء الذين أرهقوها ليس فقط بإعالتهم وتوفير الحياة الكريمة لهم، بل لأن معظمهم تحول إلى عالة عليها، ولم يعد المهاجرون قادرين على الانفصال عن تاريخهم وعقائدهم وإرثهم السياسي بل وحروبهم أيضاً، وهو ما أثقل الأرض الجديدة بصراعات الأراضي القديمة.

من يتذكر أزمة حرب النجوم بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي منتصف الثمانينات الميلادية، لا يكاد يصدق كيف أن القوى العظمى تحولت من فرض سلطتها بالسلاح على العالم إلى فرض هيمنتها بالاقتصاد والمال.

فالحرب اليوم لم تعد حرب نجوم؛ أو من يصنع أكبر عدد من القنابل النووية، بل كم حقق من أموال ومن ازدهار اقتصادي لبلاده، وكيف يُمكن شعبه مِن الوظائف والفرص.

لقد تحولت العلاقات بين الدول من التحالفات القائمة على المخاطر كما هو حال أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما بني حلف الناتو على عقيدة محاربة الألمان واليابان والسوفييت لاحقاً، والذي واجهه حينئذٍ حلف وارسو، وكانت التحركات والتقاطعات قائمة على تحقيق أكبر تهديد وردع للخصوم، إلى الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من اقتصاد العالم.

الأولوية اليوم لم تعد عسكرة العالم بل أصبح السعي وراء المال وتعظيم الاقتصادات هو سمة هذه الحقبة الجديدة.

الولايات المتحدة الأمريكية تكاد تخسر أوروبا حليفها الاستراتيجي، بل وعمقها المسيحي، وجذور سكانها الأصليين، لأنها لم تعد تؤمن بأهمية التحالفات العسكرية، ولا هي في وارد الاستمرار في نزيف الأموال، فهي تريد من الأوروبيين الأغنياء دفع فاتورة حمايتهم، ومن الفقراء التحول نحو اقتصادات فعالة، وهي تجد أن شعبها أحق بالأموال التي كانت تدفعها لصالح الشركاء والأصدقاء، وعلى الجميع التعامل بالمصالح مع أمريكا، بدءاً من الجار الكندي، والحليف الأوروبي، وليس انتهاء بالخصوم «الصين، والروس».

معادلة البقاء كقوة عظمى في هذه الحقبة الجديدة لم تعد بالسلاح النووي الذي تحول ليكون عبئاً في الوصول، وعبئاً في الحفاظ عليه، وعبئاً في استخدامه، فطوال ثلاث سنوات من الحرب الأوكرانية الروسية هددت موسكو عدة مرات باستخدام السلاح النووي، لكنها أبداً لم تكن جدية في ذلك ولن تكون، فعواقب الاستخدام تبدو أكبر بكثير من فوائده، هذا إن كان له تأثير.

لقد فهمت أمريكا، التي تخوض اليوم حرباً اقتصادية كبرى، أن الهيمنة في القرن القادم لن تكون عبر الصواريخ النووية، بل عبر استعادة الصناعات الأمريكية التي هاجرت إلى الصين والمكسيك وفيتنام، وبحجم اقتصادك، وكم ناتجك الوطني، وقدرتك على توفير الوظائف والخدمات والبنية التحتية الممتازة لشعبك، ليس لأن أمريكا تكره الآخرين، بل لأنها تحب نفسها وتعتقد أنها الأحق بالازدهار.

بالتأكيد أن واشنطن تفهم معادلة لكي تكون كبيراً عليك أن تضحي، لكن المشكلة لم تكن أبداً في واشنطن بل في شركائها الذين اعتقدوا أن استنزاف أمريكا أصبح حقاً مكتسباً، وأن على أمريكا أن تدفع لوحدها الفواتير لأنها الدولة الأكبر والأعظم.

اليوم لم يعد ذلك قائماً، فمعايير الصداقة والشراكة والتحالفات تغيرت وأصبحت كيف نتمكن سوياً من تحقيق مصالح مشتركة، ومن يفوز بأكثر قدر من الدولارات.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد