: آخر تحديث

صعود وتراجع الغرب!

10
8
7

محمد الرميحي

نيل فرجسون من المؤرخين البريطانيين الجدد، تعرفت إليه في ندوة صير بني ياس العام الماضي، وهي ندوة فكرية مغلقة تنظمها وزارة الخارجية الإماراتية، وتدعو إليها أفضل العقول للمشاركة في نقاشات الشؤون الدولية.

فرجسون كان أحد الضيوف، وقدم محاضرة عن تطور العلاقات الدولية في المستقبل، وعرفت أنه ألّف كتاباً بعنوان «الحضارة: الغرب وغيره» the west and the rest اجتهدت في الحصول عليه، وتبين أن الكتاب صدر قبل أكثر قليلاً من عقد من السنين، ورغم أهميته لم يترجم إلى العربية.

الكتاب يتناول قضية مهمة تهمنا في العالم خارج الغرب، وهي الإجابة عن سؤال تقدم الغرب إلى متى؟

يرى الكاتب أن أوروبا حتى القرن الرابع عشر الميلادي كانت تغط في الظلام، في حين أن الشرق كان مزدهراً بعدد من الحضارات، منها العربية والصينية، إلا أنه بعد ذلك تقدم إلى ساحة الحضارة الحديثة التي نعرف، ويرصد الكاتب ستة محركات (سماها تطبيقات) جعلت من الغرب يتقدم.

الأول المنافسة، إذا انتقلت أوروبا من إمبراطوريات إلى دول قومية، زادت بينها المنافسة، والمنافسة هي التي تقود إلى التطور، وقد طورت أنظمة اقتصادية أكثر كفاءة، في حين بقيت دول الشرق تحكم كإمبراطوريات شاسعة لا تسمح بالتجديد.

ثانياً الثورة العلمية، التي غيرت فهم البشر للعالم المحيط به، وسمحت ببدء ثورة علمية قائمة على المنطق والدليل العقلي، في حين بقيت دول الشرق على أساطيرها القديمة.

ثالثاً سيادة القانون وحقوق الملكية، التي مهدت لظهور الرأسمالية الحديثة.

رابعاً الطب الحديث، فقد اهتمت تلك الدول بالتقدم الطبي، ما ساعد في صحة شعوبها.

خامساً أخلاقيات العمل البروتستانتية، وهي الحث على الادخار والاستثمار واستخدام أكفأ للوقت.

سادساً مجتمع المستهلكين وتوسيع شبكات التوزيع، الذي كان من نتائجه الاستعمار الحديث.

تلك ما سماها الكتاب التطبيقات الستة التي قادت للتفوق الغربي ربما حتى نهاية القرن العشرين.

إلا أن الكتاب رغم أنه نشر كما ذكر سابقاً، قبل أكثر قليلاً من عقد، يأتي إلى ما يصبو إليه من نتيجة، وهي بدء تراجع الغرب، ويشير إلى عاملين ظهرا بوضوح في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، وقد توقعهما قبل ذلك، العامل الأول لتراجع الغرب هو تضخم الدّين العام، وهي حقيقة بارزة أمامنا، فهناك أرقام ضخمة للدين العام، مثال بريطانيا اليوم، حيث يبلغ الدين العام نحو أربعة تريليونات دولار، أما الولايات المتحدة فيبلغ الدين العام 36 تريليون دولار، وفرنسا نحو خمسة تريليونات دولار، ومعظم اقتصاديات الدول الغربية مثقلة بالديون، وخدمة هذا الدّين تستنزف اقتصادها.

ومن هنا تفسير أولاً تراجع القوى الغربية، وشراهة بعضها لكسب المال من خلال الضغط أو استنزاف موارد الآخرين، ذلك هو العامل الأول، الذي يرى فيه الكتاب عوامل ضعف الغرب، أما العامل الثاني فهو تدني التعليم، فقد أصبح التعليم سلعة في المجتمعات الغربية وليس طريقاً للتطور، ففقدت الجامعات تمويلها، ولعل الأمر الأكثر وضوحاً هو تقليص ميزانية المساعدات المالية من الدولة المركزية إلى المؤسسات التعليمية، فأصبح الالتحاق بالجامعات مكلفاً للطلاب، وتدنى مستوى الإنفاق على الأبحاث، وقل إدراج أعداد الطلبة، وتفقد الجامعات الأمريكية مؤخراً استقلاليتها، وتُفرض عليها شروط سياسية.

عاملا الدين العام وتدني مستوى التعليم أوهنا الغرب وأدخلاه في مرحلة الشيخوخة، كما فجّرا أنواعاً من الصراع الاجتماعي، تمثل في صعود التطرف العنصري، وتدهور بعض شرائحه الأكثر حاجة إلى هوامش الفقر.

في الوقت نفسه، يستفيد عدد من دول الشرق من تقدم العلم ويحرص على المنافسة التقنية المتقدمة، ففي القائمة الدولية للدّين، اليابان تأتي الخامسة، والصين تأتي التاسعة، والهند الثانية عشرة، أما كوريا الجنوبية فتأتي في الدرجة 28.

مع أن الدول الغربية ما زالت في مقدمة الدول التي تعتبر أكثر جودة في التعليم، إلا أن دولاً من العالم الآخر انتبهت لقيمة التعليم في التنمية، وصعدت جامعاتها تباعاً في التعليم، بسبب سياسات منظمة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد