: آخر تحديث

المشهد في لبنان بعد جنازة نصر الله!

8
6
5

شكلت وفاة نصر الله نقطة تحول مهمة في تاريخ لبنان الحديث.. بينما كانت جماعته تعاني مع فقدان زعيم بارز لها، بدأت الفصائل السياسية خارج الطائفة في جميع أنحاء البلاد في إعادة تقييم مواقفها وتحالفاتها.. تميزت هذه الفترة الانتقالية بمزيج من عدم اليقين والأمل وبإمكانية إحداث تغيير.

تركت وفاة نصر الله فراغاً ملموساً في المشهد السياسي اللبناني كرجل معروف بتأثيره الكارزمي وقدرته على سد الانقسامات العمودية بتحالفات أفقية، وتخويف الآخر بالسلاح أو إغرائه بالمصالح، كان غيابه محسوساً بعمق عبر الطيف السياسي المنتمي إليه. وفي أعقاب ذلك مباشرة، شهدت البلاد موجة من الحزن، حيث أعرب لبنانيون من مختلف الطوائف والمناطق عن تعازيهم وتضامنهم، في رجاء أن تفتح صفحة جديدة. كان أحد الآثار المباشرة لوفاة نصر الله، هو إعادة تنظيم القوى السياسية.. بدأت الفصائل التي اعتمدت ذات يوم على قيادته في البحث عن تحالفات جديدة، وصياغة مسارات جديدة. وشهدت هذه الفترة زيادة في المفاوضات والحوار بين الكيانات السياسية المختلفة، حيث كانت تهدف إلى إنشاء هيكل سلطة منقح يمكن أن يحافظ على الاستقرار والاستمرارية.

مع فراغ السلطة القاهرة والناجم عن وفاة نصر الله، ظهر العديد من القادة المحتملين، يتنافس كل منهم على النفوذ والسيطرة. أصبح المشهد السياسي ديناميكياً للغاية، حيث قام العديد من الأفراد والجماعات بخطوات استراتيجية لوضع أنفسهم كخلفاء لإرث نصر الله. تميزت هذه المنافسة بالتعاون والتنافس، حيث سعت الفصائل إلى تعزيز سلطتها، بعضها ذهب إلى التشدد، وبعضها إلى المسايرة، إلا أن هناك تياراً ينمو في الطائفة يريد الطلاق البائن مع الماضي القريب، هو أقلية الآن ولكن يمكن أن ينمو.

كان لحالة عدم اليقين السياسي التي أعقبت وفاة نصر الله أيضاً آثار اجتماعية واقتصادية كبيرة شهدها لبنان الذي يواجه بالفعل تحديات اقتصادية، ومخاوف متزايدة بشأن المستقبل. نظر مجتمع الأعمال والمستثمرون والمواطنون العاديون جميعاً إلى المشهد السياسي الناشئ بحثاً عن علامات الاستقرار والاتجاه الذي يمكن أن تسير فيه الدولة، إلا أن مناقشات جلسات الثقة للحكومة الجديدة بينت من جديد، أن البعض لا يريد أن يغادر المكان الذي كان فيه، أو يعترف بالمتغيرات التي تمت.

يواجه القادة السياسيون الجدد المهمة الشاقة المتمثلة في معالجة المشكلات الاقتصادية للبلاد، ويشمل ذلك معالجة قضايا مثل التضخم والبطالة والدين العام والودائع. وسيكون للسياسات والاستراتيجيات المعتمدة خلال هذه الفترة آثار طويلة الأمد على الأوضاع الاقتصادية للبلاد ورفاهية مواطنيها. من جهة أخرى، فإن الطلب الشعبي المتزايد على الإصلاحات الاجتماعية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية والحقوق المدنية والعدالة الانتقالية أصبحت ملحة ويتعرض المسؤولون السياسيون شبه الجدد لضغوط لمعالجة هذه المخاوف، وسن إصلاحات من شأنها تعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة.

امتد نفوذ نصر الله إلى ما وراء حدود لبنان، أراد أن يكون لبنان أكبر من حجمه، وكان ذلك مستحيلاً لذلك لموته تداعيات في مجال العلاقات الإقليمية والدولية، فقد خضعت السياسة الخارجية والارتباطات الدبلوماسية للبلاد في زمنه للتدقيق، ويسعى القادة الجدد إلى إعادة تعريف موقف لبنان على المسرح الإقليمي والعالمي وعودته إلى حجمه الطبيعي بالكف عن التدخل.

موقع لبنان الاستراتيجي في الشرق الأوسط يعني أن تحولاته السياسية يمكن أن يكون لها تداعيات إقليمية أوسع. راقبت دول الجوار والقوى الدولية عن كثب التطورات في لبنان، حيث سعى بعضها إلى التأثير على المشهد السياسي الناشئ لمساعدته في الإقلاع. على القادة السياسيين الجدد أيضاً تأكيد التوازن في علاقات لبنان مع القوى العالمية، ويشمل ذلك الحفاظ على التحالفات في الجوار العربي، وتأمين المساعدات والاستثمارات، ووضع لبنان كشريك مستقر وموثوق به في الشؤون الدولية.. الجهود الدبلوماسية خلال الفترة المقبلة حاسمة في تشكيل مسار لبنان المستقبلي.

في نهاية المطاف، المشهد السياسي في لبنان هو قصة تحول قد يكون بطيئاً، ولدى الشعب الفرصة للبناء وأمامه أيضاً عقبات كما تبين في مناقشات جلسات الثقة، فالبعض يريد من جديد أن يعيد الأمور إلى سابقها والبعض يتكيف، إلا أنه من المبكر القول إن لبنان قد خرج من عنق الزجاجة، ذلك يحتاج إلى جهود تغيير في الثقافة السياسية، وعادة هي الأصعب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد