: آخر تحديث

متى سيأتينا «طِشّار» ترامب؟

6
5
4

من الواضح، بشكل متزايد، أن العالم يشهد تحولاً زلزالياً في علاقة الولايات المتحدة، القوة الأعظم والأقوى في التاريخ، بجميع دول العالم، والصادم أن أقربها إليها أصبحت أكثرها تضرراً، كدول الأطلسي وكندا والمكسيك! ولا أدري متى سيأتي دورنا، وهذا أكد المقولة، التي تنسب لكسينغر (وهي غير صحيحة)، من أن تكون عدواً لأمريكا فهذا خطر عليك، لكن أن تكون صديقاً لها فالخطر أكبر.

كان أوّل الزلازل إلغاء أمريكا لاتفاقيات التجارة مع جارتيها الكبيرتين، كندا والمكسيك، والإقدام على تغيير اسم خليج المكسيك، الأمر المزعج لجهات جغرافية وإلكترونية، مثل غوغل وجي بي اس، وغيرها، بخلاف دول ومؤسسات معنية بالأمر.

كما كان صادماً لعشرات الدول وآلاف الجهات، قيام ترامب بوقف فوري لأنشطة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، من دون سابق إنذار، وترك الملايين في العراء، بعد تجميد كل مساعداتها للدول الفقيرة.

كما صُدم العالم بتصريح وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، بتوقف النظام العالمي المنفرد القطب، لنصبح الآن أمام عالم متعدد الأقطاب، مكوّن من قوى عظمى، وأن النظام العالمي بعد الحرب يجب التخلّي عنه، لأنه أصبح سلاحاً ضد المصالح الأمريكية.

كما رفعت أمريكا الرسوم الجمركية على أقرب حلفائها، والصين، ومن خلال كل ذلك تود أمريكا أن تقول للعالم، بلسان ترامب، إنها لا تريد دوراً منفرداً في إدارة العالم، وإنها ستبقى قوة عظمى، ولكن ليست التي لا غنى عنها.

قد يبدو ذلك بداية نهاية الإمبراطورية الأمريكية، أو بالأحرى تسارع نهايتها، من خلال التركيز على مصالحها الداخلية، والتخلّي عن العالم، وترك المجال واسعاً لأية دولة تريد احتلال وبلع غيرها، فلن يشاهد العالم، في المستقبل المنظور، حرباً كحرب «تحرير الكويت»، في 1991.

لقد اكتشف ترامب، بعقلية رجل الأعمال، أن من الصعوبة الحفاظ على هيمنة أمريكا، من دون تكلفة باهضة، كما أن التخلّي عن دور الشرطي العالمي، يعطيها المجال لأن تصبح كبقية الدول الأخرى، تعتدي على من تريد، وتضم إليها أو تشتري ما تريد من دول و«قطاعات»، وأن تصبح عدوانية أكثر مما كانت عليه، فلا قيد ولا عهد يربطها بحليف هنا أو صديق هناك، بعد أن تخلّت طوعاً عن دورها، مع بقائها قوة عظمى، والبهدلة والإهانة العلنية، التي طالت الرئيس الأوكراني، أمام سمع ونظر العالم، في البيت الأبيض، خير دليل.

هذا الموقف الأمريكي، وما تبعه من تحولات عالمية خطيرة، يؤكد ـ كما كررنا كثيراً ـ خطأ الاعتقاد بأن سياسات الدول، والكبرى منها بالذات، لا تتغير بمجيء هذا الرئيس أو ذلك الزعيم، والزعم بأن هناك قوى «خفية» أو قوى ضغط تدير الدول وتضع السياسات للرؤساء المنتخبين، وتقرّر طبيعتها! فقد كشفت قرارات ترامب الصادمة والمتتالية عدم صحة هذا التفكير، فقد قلب الطاولة على الجيمع، وأساء لعلاقات أمريكا مع كل حلفائها السابقين، وتوقّف عن دعم حلف الناتو، مالياً وعسكرياً، ولا ندري متى سيأتي دورنا، كدول خليجية، وكيف يمكن التخفيف من الصدمة القادمة، وهذا موضوع مقال قادم.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.