استمعت إلى كلمة أحمد الشرع في الحوار الوطني السوري، ولا أعرف تعريفاً محدداً للشرع؛ هل هو قائد التحرير، أو أنه رئيس الفترة الانتقالية إلى حين انتخاب رئيس؟ على أية حال، نعرف التحديات السياسية التي تواجه سوريا من مخاطر التقسيم، إلى صياغة دستور جامع تُجمع عليه كل المكونات السورية، سواء كانت عرقية أو دينية.
لن أتطرق للجانب السياسي السوري؛ فالمراقبون السياسيون سيتحدثون عن ذلك ويشبعونه بحثاً، بل سأركز على الجانب الاقتصادي الوارد في كلمة الشرع، مع معرفتي المسبقة بالتحديات التي تواجه الجانب الاقتصادي السوري؛ فالاقتصاد يحتاج للأمن أولاً، وثانياً يحتاج لبنية تحتية قوية، وللأسف البنية التحتية التي تخدم الاقتصاد هُدمت بأوامر من الفارّ، ثالثاً يحتاج الاقتصاد لصناعات وسيطة تخدم الصناعة، والأهم من هذا يحتاج إلى العنصر البشري المهجّر للأسف.
لن أطيل الحديث في هذا الجانب، ولنذهب لكلمة الشرع التي قال فيها: لنمضِ معاً لنحول النكبات إلى فرص استثمارية. والحقيقة أن أحمد الشرع رئيس الفترة الانتقالية السورية أصاب كبد الحقيقة؛ لأن الفرص الاستثمارية تولد من الأزمات.
والأهم من هذا وذاك أن الشرع قال إن النظام السابق هدم البنية الأخلاقية والقيمية في المجتمع السوري، وللأسف فإن هذا ما حصل فعلاً؛ فأنا كُتب لي أن أذهب إلى سوريا عدة مرات، آخرها قبل الثورة بسنة، وأولها في عهد والد المخلوع، وكانت في عام 1979 ميلادية. ومن الطبيعي أن أول من يقابلك مأمور الجوازات، سواء في المطار أو المنافذ البرية، وهناك نتفاجأ أنه يطلب الرشوة بشكل فج، وربما خرجت سالماً إذا تمنعت عن إعطائه، وهذا نادراً ما يحدث، ولكن أغلب ما يحدث أن يمسح هذا الموظف بكرامة الزائر الأرض، فإذا خرجت من المطار، وقُدّر لك أن تقود سيارة وأوقفك شرطي المرور، فاعرف أنك لن تنجو منه إلا برشوة محترمة.
ومن الطبيعي أن أسأل السوريين عن الجراءة التي يطلب بها موظفو المطار والشرطة، وكل موظف حكومي، الرشوة من دون حياء أو خوف، فقالوا لي إن وراء كل موظف «معلم»، ويقصدون بذلك موظفاً كبيراً يحمي هذا الموظف الصغير، ويطالبه بالإتاوة حسب الغلة اليومية المحصّلة.
ذكرت لكم أشياء يعتبرها السوريون صغيرة، بل عادية، ناهيك عن المتنفذين الذين يريدون مشاركة رجال الأعمال السوريين أموالهم لتحتكر السلطة التوريد من الخارج، ومن يريد أن يورد بضاعة معينة عليه أن يدفع 30 في المائة من قيمة البضاعة لـ«المعلم» الذي أصدر فسح التوريد، وفي الأخير يتورط المواطن المطحون بتضخم سببه فساد منظومة القيم.
أما رجال الأعمال الأجانب الراغبون في الاستثمار في سوريا في عهد المخلوع ووالده، فقد هربوا من الاستثمار في سوريا من أول مشروع جربوه؛ لكثرة الطامعين فيه.
خطاب القيادة السورية الجديدة وضع يده على الجرح كما يقال، حينما أراد إصلاح منظومة القيم، وبعده يصلح الاقتصاد. والمتأمل في خطاب الشرع يجده منفتحاً على الاقتصاد من خلال رغبته في تحرير الاقتصاد السوري من القيود وربطه باقتصاد المنطقة، والسوريون قادرون على ذلك ومؤهلون له؛ فهم شعب جاد في العمل، ولديهم متعلمون، ومن كان تعليمه متوسطاً تجده يتقن صنعة معينة إتقاناً جيداً.
لهذه المعطيات أرى أن الشعب السوري سيتجاوز محنته، بشرط وحدة البلاد وتحرير الاقتصاد. ودمتم.