: آخر تحديث

على خطى يوسف الشويري وشريف يونس

6
7
6

ينقل شريف يونس في كتابه «سيد قطب والأصولية الإسلامية»، الصادر عام 1995، ملحوظة أبداها يوسف شويري في كتابه «الأصولية الإسلامية» الصادر باللغة الإنجليزية عام 1990 حول نقد سيد قطب للحضارة الغربية، ثم يعلق عليها بملحوظة قصيرة.

ملحوظة يوسف الشويري كاملة، كما نقلها شريف يونس وترجمها إلى اللغة العربية في متن ص 208، هي: «وجدير بالذكر أن هذا النقد الحاد، إذا كان يستند فقهياً إلى مقولة الحاكمية، فإنه يستند فكرياً إلى محصلة النقد الذي قامت به بعض الاتجاهات الفكرية الأوروبية - الفاشية بصفة خاصة - لأسس الحضارة الحديثة. والتي - على مثال نقد سيد قطب - تفترض أعلى درجات الحرية للإنسان في خضوعه لسلطة خيّرة (أو قادرة) مطلقة. والواقع أن الدولة التي يقترحها قطب، لا يمكن أن نجد نظيراً لها في العصور الوسطى الإسلامية، وإنما في الدولة البيروقراطية التدخلية الحديثة، كلية الجبروت. فأياً كانت الاستعارات الفلسفية والفقهية من المدرسة الأشعرية الحنبلية في فكر سيد قطب، فإن هذا الفكر يظل في جوهره فكراً ينتمي إلى العصر الحديث ومشكلاته، رغم أنه (يلبس شارات إلهية)».

يعلّق شريف يونس على هامش الصفحة نفسها، فيقول: «ويصف هذا الباحث فكر سيد قطب بأنه (طبعة عالمثالثية من الفاشية)، وهو استنتاج وإن يكن غير دقيق إلّا أنه أتاح الإشارة إلى تشابهات هامة بين فكر سيد قطب وفكر ألكسيس كاريل، الفاشي الفرنسي الذي استشهد به سيد قطب مطولاً في كتابه (الإسلام ومشكلات الحضارة)».

إنشاءً على ملحوظة يوسف الشويري وعلى ملحوظة شريف يونس الخاصتين بنقد سيد قطب للحضارة الغربية، سأبدي ملحوظات تفصيلية في الموضوع نفسه:

مع أن كتاب ألكسيس كاريل «الإنسان ذلك المجهول» تُرجم إلى العربية في بيروت قبيل شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 1953 إلا أن اطلاع سيد قطب على هذا الكتاب جاء متأخراً سنوات عن سنة صدوره. فقد يكون قرأه أول عام 1962 (العام الذي صدر فيه كتاباه «الإسلام ومشكلات الحضارة»، و«خصائص التصور الإسلامي ومقوماته»)، وقد يكون قرأه في عام 1961، أو في عام 1960.

كتاب سيد قطب «الإسلام ومشكلات الحضارة» اتكأ على كتاب ألكسيس كاريل «الإنسان ذلك المجهول» اتكاءً ثقيلاً. فكتاب سيد قطب هذا - كما قلت في مقالي السابق - عبارة عن إيراد مقتطفات من هذا الكتاب مع شرح واستدراك وتنقيح إسلامي للمقتطفات التي أوردها.

كتابه الآخر «خصائص التصور الإسلامي ومقوماته» هو توسع في هذه الاستدراكات والتنقيحات الإسلامية، وبلورتها في نقاط محددة على أنها أسس لا توجد في أي دين ولا في أي فلسفة قديمة أو حديثة إلا في ما يسميه بـ«التصور الإسلامي». هذه الأسس أو الخصائص الفريدة للتصور الإسلامي، من وجهة نظره، هي: الربانية والثبات والشمول والتوازن والإيجابية والواقعية والتوحيد. وهذه الخصائص الفريدة، تتكرر - بالزيادة أو بالنقصان - في كتب «مادة الثقافة الإسلامية» الجامعية وما قبل الجامعية على اختلاف مؤلفيها، وفي الكتاب الإسلامي عموماً عند إقامة مقارنة تفضيلية بين الإسلام، والمسيحية واليهودية، وبين الإسلام والحضارة الغربية وفلسفاتها المختلفة والمتعارضة. وكان للفلسفة أو العقيدة الماركسية النصيب الأوفر من هذه المقارنة التفضيلية مع الإسلام.

أشار سيد قطب في خاتمة مقدمة هذا الكتاب إلى أن هذا الكتاب هو القسم الأول منه، وأنه تناول فيه «خصائص التصور الإسلامي»، وأن قسمه الثاني سيتناول «مقومات التصور الإسلامي». وفي عام 1986 أظهر شقيقه محمد قطب القسم الثاني من الكتاب تحت عنوان «مقومات التصور الإسلامي» مع كتابة مقدمة له.

أصل الآن إلى زبدة هذه الملحوظة التفصيلية، وهي أن سيد قطب لو لم يقرأ كتاب «الإنسان ذلك المجهول» - على نحو متأخر نسبياً - لما كان ألّف كتابه «الإسلام ومشكلات الحضارة» وكتابه «خصائص التصور الإسلامي ومقوماته» بقسمه الأول وبقسمه الثاني.

يدعي صلاح عبد الفتاح الخالدي في رسالته للماجستير «سيد قطب والتصوير الفني في القرآن»، استناداً إلى رواية شفاهية (غالباً ما يكون صاحبها محمد قطب، المشرف على رسالته)، أن كتاب «خصائص التصور الإسلامي ومقوماته» استغرق في تأليفه حوالي عشر سنوات!

هذه الرواية الشفاهية «شنشنة إخوانية» مُرد عليها الإخوان المسلمون. وهذه «الشنشنة» قيلت في هذا الموضع للمبالغة في الجهد المبذول في تأليف هذا الكتاب، والمبالغة في قيمته.

تفسير سيد قطب «في ظلال القرآن» ذو الستة مجلدات اقتضى منه من السنوات لإنجازه كاملاً حوالي 6 سنوات. ولو لم ينشغل عام 1954، برئاسة تحرير جريدة «الإخوان المسلمون»، وبإدارة العمل السري المناهض لضباط الثورة، لكان أنجزه بأقل من هذه المدة.

سيد قطب ذو قلم سيّال وكتابه «خصائص التصور الإسلامي ومقوماته» مع كتابه «الإسلام ومشكلات الحضارة» يستطيع - بأقل تقدير - إنجازهما في بضعة شهور. وكتابه «خصائص التصور الإسلامي ومقوماته» الذي سماه بحثاً هو ليس «بحثاً»، بل تنظير إنشائي.

كُتب سيد قطب الإسلامية مكتوبة بأسلوب المقال الفكري الصحافي وليس بأسلوب البحث العلمي المتعمق المستقصي. وتنظيره في مقاله الفكري الصحافي لا يقوم على تحليل مركب ذي أبعاد متعددة، وإنما على سيولة إنشائية قطعية وتبسيطية.

كتاب أبي الحسن الندوي «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» الذي قرأه سيد قطب حين صدوره عام 1950، والذي كان - بالنسبة له - منجماً ثرّاً في نقد الديانات الأرضية وفي نقد ديانتين سماويتين هما: اليهودية والمسيحية، وفي نقد الحضارات القديمة وفي الحضارة الغربية الحديثة، أضاف إليه صاحبه في الطبعة الرابعة (طبعة دار العروبة عام 1961) بعض الاستشهادات، ومن هذه الاستشهادات استشهاده مرتين بكتاب «الإنسان ذلك المجهول» مع تزكية لمؤلفه وإشادة به. سيد قطب كان يتابع طبعات هذا الكتاب، فلعل هذه الطبعة التي استشهد الندوي بها بمقطعين من كتاب «الإنسان ذلك المجهول» في نسخته الإنجليزية (الكتاب ألّف باللغة الفرنسية عام 1935)، هي التي لفتت نظره إلى أهمية هذا الكتاب في نقد الحضارة الغربية الحديثة، فعثر عليه شقيقه محمد قطب مترجماً إلى العربية، فاشتراه له.

لم يبدأ محمد قطب في الاستشهاد بكتاب «الإنسان ذلك المجهول» إلا في كتابه «التطور والثبات في حياة البشرية» الصادر عام 1963، وفي كتابه «دراسات في النفس الإنسانية» وفي كتابه «جاهلية القرن العشرين» الصادرين في عام 1964. أي أنه بدأ بالاستشهاد بكتاب «الإنسان ذلك المجهول» بعد أن ابتلع شقيقه سيد الكتاب في كتابه «الإسلام ومشكلات الحضارة»، وقدم تعريفاً بمؤلفه ألكسيس كاريل على أنه صاحب هذا التعريف به، مع أنه أخذ هذا التعريف بحذافيره من مترجم الكتاب إلى العربية شفيق أسعد فريد، وبعد أن قدم في كتابه «خصائص التصور الإسلامي ومقوماته» كتابه «الإسلام ومشكلات الحضارة» على أنه صنو لكتاب «الإنسان ذلك المجهول»!

قد يكون الذي لفت نظر سيد قطب إلى أهمية كتاب «الإنسان ذلك المجهول» هو شقيقه محمد وليس الطبعة الرابعة من كتاب الندوي، لكن من الواضح في كلا الاحتمالين أن سيد أمره بألا يمس هذا الكتاب باستشهاد في أي كتاب من كتبه إلا بعد أن يفرغ هو من الانتفاع الكامل به. وللحديث بقية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.