خالد بن حمد المالك
في مشهد تاريخي لم يحدث من قبل، كشف البيت الأبيض بالصورة والصوت وحركات الأيدي وملامح الوجوه عن تجاذبات عاصفة بين الرئيسين الأمريكي والأوكراني، ومشادات كلامية غير معتادة، وتعامل خرج عن السياق المألوف، وانتهى بفشل اللقاء.
* *
كان الرئيس الأوكراني قد جاء إلى أمريكا للقاء رئيسها، بهدف المصالحة رغم مرارة ما سبق أن نعته به الرئيس الأمريكي من أوصاف غير معتادة، بأمل إبقاء حبل التواصل والوصل، في ظل حرب ضروس تحتاج فيها أوكرانيا إلى دعم الولايات المتحدة الأمريكية.
* *
وكان من الواضح أن الرئيس الأمريكي ترامب قلق ومنزعج من استمرار دعم أوكرانيا في حرب وصفها بأنها عبثية، خاصة بعد أن أنفقت عليها أمريكا 350 مليار دولار دون أن تحقق أوكرانيا أي انتصار، وأنه آن الأوان لإيقافها حتى لا تزداد نتائجها إلى ما هو أسوأ مما هي عليه الآن.
* *
ظهر الرئيس الأمريكي في الاجتماع محتقناً، وغير مقتنع برئيس أوكرانيا الذي وصفه قبل اللقاء بأنه استولى على السلطة بالأحكام العرفية، ولم يصل إلى الرئاسة عن طريق الانتخابات، وزاد على ذلك بأنه دكتاتور وضعيف، وإلى ما في ذلك من أوصاف تجاهلها زيلنيسكي، وأخذ بخيار التصالح رغم مرارة المشهد.
* *
المناكفات التي تمت بين الرئيسين، وشارك فيها نائب الرئيس الأمريكي فانس لم تطفئها أن ضيف البيت الأبيض حمل معه إلى الاجتماع ملفاً يمنح أمريكا بموجب اتفاق الحق في المشاركة في عوائد المعادن النادرة في بلاده، استجابة لطلب الرئيس ترامب، فقد كان التوتر سيد الموقف بين الرئيسين، ما أفشل توقيع الاتفاق.
* *
هذا اللقاء الفاشل، الذي انتهى بعدم التوقيع على الاتفاق لمنح أمريكا حصة من المعادن النادرة، وإلى الطريقة التي خرج بها الرئيس الأوكراني من البيت الأبيض دون أن يكون في وداعه الرئيس الأمريكي، ولاحقاً خروجه هو ووفده من أمريكا سريعاً برغبة أمريكية، ظهرت له ردود فعل متباينة، وانعكاسات خطيرة، وتوقعات مستقبلية لا تخدم السلام والاستقرار في العالم.
* *
داخلياً، فقد انقسم الأمريكيون بين مؤيِّد لترامب وبين منكر لأسلوبه في التعامل مع ضيفه، ففي الحزب الجمهوري ظهر من بينهم من يرى أن ترامب كان محقاً، وأن على الرئيس زيلنيسكي أن يعتذر لأنه لم يحترم أمريكا، وفي المقابل فهناك من الحزب الديمقراطي من طالب ترامب بالاعتذار، وأنه تخلَّى وأدار ظهره عن الديمقراطية لصالح روسيا، ما أظهر انقساماً حاداً في الولايات المتحدة الأمريكية.
* *
وفي أوكرانيا أظهر الجيش والقيادات المدنية رباطة جأشهم وتضامنهم مع رئيسهم، وتمسكهم بتحرير أراض احتلتها روسيا من أراضي دولتهم، مع إبقاء أملهم بأن تتراجع أمريكا عن سياساتها في التعامل مع هذه الحرب، وأن تستمر في دعم الطرف الأوكراني لمواجهة ما أسموه اعتداء روسيا على أراضيهم.
* *
كانت الدول الأوروبية الأكثر تفاعلاً مع هذا اللقاء، وما ساده من مشادات، وما انتهى إليه من نتائج، فقد أظهروا تضامنهم مجتمعين لدعم أوكرانيا في هذه الحرب، فيما عدا بريطانيا التي لم تعلق على ما حدث، والتزمت الصمت، وقد تسابق الرؤساء والمسؤولون في هذه الدول، وفي الاتحاد الأوروبي إلى تعضيد ومساندة أوكرانيا في حربها ضد روسيا.
* *
هذا التشدد في الموقف الأمريكي، وردود الفعل الغاضبة من الدول الأوروبية، يوحي وكأن هناك شرخ في العلاقات الأمريكية الأوروبية، وتخوف من سقوط التعاون التاريخي والإستراتيجي بينهما، ما لم يتم تطويق هذه الأزمة، والشعور بأن أوكرانيا تشكِّل هزيمتها خطورة على أمن واستقرار أوروبا في المستقبل.
* *
التداعيات على ما حدث تحتاج لمعرفة تأثيرها وتفاعلها على العلاقات بين دول العالم وتحديداً بين أمريكا ودول أوروبا إلى بعض الوقت، فإما أن يتم تطويقها، أو أن تمتد آثارها السلبية إلى ما هو أكثر مما قبل وأكثر مما حدث خاصة وقد قال الأوروبيون إن العالم الحر بات أصبح في حاجة إلى زعيم جديد!
* *
لقد أنكر الرئيس الأمريكي على الرئيس الأوكراني عدم ارتدائه الزي الرسمي، ليجيبه بأنه سيرتديه عندما تنتهي الحرب، وطالبه بالاعتذار لكنه رفض، وقال عنه إنه عديم الاحترام، وهذا جانب مما تم إعلانه، فكيف وماذا عن ما تم في الغرف المغلقة؟!.