: آخر تحديث

السعودية.. ريادة دبلوماسية وصناعة مستقبل

5
6
4

وفاء الرشيد

تشهد المملكة العربية السعودية نهضة غير مسبوقة في مختلف المجالات، مدفوعة برؤية استراتيجية واضحة يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. هذه النهضة لم تكن وليدة اللحظة، بل هي ثمرة تخطيط دقيق وإرادة قوية جعلت من المملكة لاعباً رئيسياً على الساحة الدولية، سياسياً واقتصادياً، كما حدث مع العديد من الدول الكبرى التي رسمت مستقبلها برؤى استراتيجية، مثل خطة «الميجي» في اليابان التي قادت نهضة اقتصادية هائلة، أو مشروع «مارشال» الذي أسهم في إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

بقيادة ولي العهد، برزت السعودية كقوة دبلوماسية مؤثرة، تستند إلى رؤية 2030، التي تمثل خارطة طريق للمستقبل، وترسم ملامح تحول اقتصادي وتنموي شامل. من خلال هذه الرؤية، استطاعت المملكة تعزيز حضورها العالمي، وترسيخ مكانتها كدولة ذات تأثير يمتد إلى مختلف القضايا الدولية، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني، تماماً كما نجحت الصين في التحول إلى قوة اقتصادية عالمية عبر سياسة «الإصلاح والانفتاح» التي أطلقها دنغ شياو بينغ في أواخر السبعينيات.

وفي ظل التحولات العالمية المتسارعة، برز الأمير محمد بن سلمان كقائد يمتلك رؤية استراتيجية وقدرة على بناء تحالفات متينة، رغم التحديات والضغوط. علاقاته مع القوى الكبرى تؤكد نضجه السياسي وحرصه على تحقيق التوازن في العلاقات الدولية، بما يخدم المصالح السعودية والإقليمية. ولعل نجاحه في تعزيز العلاقات مع واشنطن وموسكو يعكس مهاراته في إدارة الملفات الحساسة، ونحن نعيش بين حقل ألغام، بما يحقق الاستقرار في أسواق الطاقة ويعزز التعاون في المجالات الحيوية الأخرى. هذه السياسة الذكية تذكرنا بمناورات تشرشل السياسية خلال الحرب العالمية الثانية، حيث استطاع خلق تحالفات معقدة ضمنت انتصار الحلفاء.

السعودية اليوم ليست مجرد قوة اقتصادية، بل هي مركز لصناعة القرار العالمي، حيث أصبحت الرياض محطة رئيسية للقادة والزعماء، تستضيف القمم والاجتماعات التي ترسم ملامح المرحلة المقبلة للعالم. في هذا الإطار، تأتي الاستعدادات لعقد لقاء تاريخي بين رئيسَي الولايات المتحدة وروسيا على أرض المملكة، في خطوة تعكس المكانة التي وصلت إليها السعودية كوسيط موثوق لحل الأزمات الكبرى، كما حدث بمؤتمر «يالطا» عام 1945 الذي أعاد تشكيل النظام العالمي بعد الحرب.

هذا التطور الدبلوماسي الكبير يأتي في وقت يشهد فيه العالم توترات متزايدة، خاصة في ظل التنافس بين القوى الكبرى، والأزمات المتصاعدة في الشرق الأوسط وأوروبا. ورغم هذه التعقيدات، نجحت القيادة السعودية في أن تكون طرفاً محايداً يملك القدرة على تقريب وجهات النظر، مما جعلها شريكاً رئيسياً في الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار العالمي. على غرار ما قامت به سويسرا خلال الحربين العالميتين، حيث تبنت الحياد، لكنها لعبت دور الوسيط في محادثات السلام والاتفاقيات الدولية.

على مر السنوات، عززت السعودية مكانتها عبر استضافة قمم مهمة جمعت زعماء العالم، بدءاً من القمم العربية والإسلامية، وصولاً إلى المنتديات الاقتصادية الكبرى. واليوم، تأتي هذه القمة المنتظرة لتؤكد أن المملكة ليست مجرد دولة إقليمية مؤثرة، بل قوة عالمية تمتلك أدوات التأثير وتساهم في تشكيل مستقبل العالم، كما فعلت بريطانيا خلال حقبة الإمبراطورية التي كانت تُعرف بأنها «الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس»، حيث لعبت دوراً محورياً في صياغة التحالفات الدولية وتحديد مسارات الاقتصاد العالمي.

ما يميز النهج السعودي في إدارة العلاقات الدولية هو التوازن والحكمة، حيث استطاع الأمير محمد بن سلمان أن يقود دبلوماسية تعتمد على بناء الجسور، لا تأجيج الصراعات، وهو ما جعل الرياض عاصمة للحلول لا الأزمات. ولعل نجاحه في خلق بيئة حوار بين القوى الكبرى يعكس مدى مصداقية النهج السعودي، الذي يقوم على تحقيق المصالح المشتركة وتعزيز التعاون الدولي في المجالات المختلفة. وهذا النهج يشابه إلى حد كبير الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في إنهاء الحرب الباردة عبر مفاوضات استراتيجية بين ريغان وغورباتشوف، والتي ساعدت على تفكيك الاتحاد السوفيتي وإرساء نظام عالمي جديد.

إن الدور المتنامي الذي تلعبه السعودية على الساحة العالمية ليس مجرد صدفة، بل هو نتاج رؤية بعيدة المدى، تتبنى سياسات متوازنة، وتستند إلى معايير واضحة في التعامل مع التحديات الدولية. هذا الحضور القوي يعكس قدرة المملكة على تحقيق طموحاتها الكبرى، ويعزز مكانتها كقوة صاعدة في المشهد العالمي، لها كلمتها وتأثيرها في رسم مستقبل النظام الدولي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.