سليمان جودة
استبشر أهل المنطقة خيراً عندما جاء انخفاض الحرارة في الأيام السابقة على شهر رمضان مصحوباً بسقوط الأمطار، وكان الاستبشار راجعاً إلى سببين، أولهما أن الصيام في الطقس البارد أيسر بالطبع على الصائم منه في قيظ الصيف، وثانيهما أن الأمطار عموماً من دواعي الفأل الحسن لدى الناس في العموم، ثم لدى كل مسلم على وجه الخصوص، فما بالنا إذا كان هذا المسلم صائماً؟.
ولكن المشكلة أن الأمر في طقس ما قبل رمضان تجاوز البرودة المحتملة وربما المحببة، إلى الصقيع المصحوب بتساقط الثلوج.. ففي النشرة الجوية الأردنية على سبيل المثال، أعلن رائد آل خطاب، مدير إدارة الأرصاد الجوية، تأثر المملكة الأردنية بموجة قطبية شديدة أطلق عليها اسم «جلمود»، وقال إن سبب إطلاق هذا الاسم عليها يعود إلى طبيعتها ذات البرودة القاسية. وفي لبنان أطلقت هيئة الأرصاد على العاصفة الثلجية التي ضربت البلاد اسم «آدم»، وقالت إنها تأتي مصحوبة بأمطار رعدية. وفي الكويت قال مسؤول الإرصاد إن يوم 25 فبراير هو الأبرد في الشهر منذ 60 عاماً!
ولم تكن لبنان سوى مجرد مثال ومعها الأردن والكويت، لأن الجلمود الذي تحدثت عنه الإرصاد الأردنية لم يشأ أن يستثني بلداً في أرجاء المنطقة، وقد رأينا كيف انحرفت الموجة القطبية القادمة من الشمال الأوربي نحو الشرق فطالت دول الخليج فيما طالت، وكان للخليج من الموجة نصيب وافر وكبير.
كان الشاعر امرؤ القيس يصف حصانه زمان في سرعته فيقول ما معناه، إنه مثل جلمود صخر قذف به السيل من أعالي الجبال!.. وقد عشنا نحفظ بيت الشعر الشهير لامرؤ القيس ونردده، ولم نكن نتوقع أن يأتي يوم يكون فيه الطقس لا الحصان مثل جلمود الصخر المندفع!
ويستطيع المتابع للطقس أن يرى بالعين المجردة، أنه لم يعد الطقس الذي كنا نتابعه في سنوات ماضية ونترقبه من سنة إلى سنة، ولم يقتصر التحول في الطقس على منطقتنا هنا طبعاً، ولكنه تحول لما يشبه الظاهرة في كل ركن من أركان الكوكب.
وفي مصر على سبيل المثال عاش الطلاب يدرسون في مدارسهم أن طقس المحروسة حار جاف صيفاً دافئ ممطر شتاءً، ولكن طقس السنوات الأخيرة جعل هذه العبارة موضع تندر بين المصريين، لأن الصيف لم يعد حار جاف كما تعلمناه صغاراً، ولا الشتاء أصبح دافئاً ممطراً كما كان تلاميذ المدارس يحفظون ويرددون.
ولم يعد غريباً أن يستيقظ الناس على المطر ينهمر في فصل الربيع، أو أن يتأخر الصيف الحارق حتى آخر أيام الخريف.. وحتى هذه التقسيمات التي توزع السنة بين الفصول الأربعة كما يراها أهل الفلك والجغرافيا لم تعد هي الأخرى دقيقة، وتداخلت الفصول الأربعة مع بعضها البعض، وربما رأيناها وهي مختزلة في فصلين فقط هما الصيف والشتاء.. أما الربيع والخريف فإن مساحتهما قد راحت تتقلص وتذوب مع مرور السنين!
وفي وقت من الأوقات كان الحديث عن تغيرات المناخ حديث النخبة والمنتديات المتخصصة، ولكنه سرعان ما تحول مع شدة التغيرات إلى أن صار قاسماً مشتركاً أعظم في كلام آحاد الناس، الذين رأوا عواقب التغيرات ظاهرة في حياة كل واحد فيهم، ومؤثرة فيها على غير ما كان الحال على مدى عقود طويلة من الزمان.
وكانت التغيرات راجعة في الجانب الأكبر منها إلى فعل الإنسان في أنحاء الكوكب، لأن التوازن في عناصر الطبيعة تعرّض فيما تعرض لعبث واسع من جانب إنسان العصر، وكان من الطبيعي أن يؤدي مثل هذا العبث إلى خلل في أداء الطبيعة من حولنا.
ومن سوء حظ العالم أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ما كاد يدخل البيت الأبيض في 20 يناير الماضي حتى أسرع وأعلن انسحاب بلاده من اتفاقية المناخ التي كانت إدارة أوباما قد وقعت عليها في باريس. كان انسحاب الإدارة الأمريكية الحالية بمثابة تحلل الدولة الأقوى في العالم من التزاماتها في قضية المناخ، وكان هذا مما أرسل إشارات سلبية إلى كل إنسان في كل مكان على اتساع الأرض.
لابد أن الذين يتابعون تقلبات المناخ يواسون أنفسهم ولسان حالهم يقول إن تقلبات السياسة حول العالم صارت جزءاً من أحوال أهل المعمورة، وبالتالي فتقلبات الطقس ليست استثاءً لأنها تبدو وكأنها جزء من الجنون السياسي الذي يقوم عليه إنسان العصر وينام.