* * *
كتبنا كثيراً عن مخالفات العديد من الجهات المعنية بالعمل الخيري، أو بالإشراف على أنشطتها، ومنها قيام وزير أوقاف إخواني، بتعيين من ينتمي لحزبه مديراً للأمانة العامة للوقف، وبعدها بفترة أدين «الأخ» بسرقةٍ مليونية، ليهرب خارج البلاد، ولتسقط التهمة عنه تالياً. وهذا يبين أن الوقف، من خلال الوزارة أو الأمانة، من الجهات التي لا يعرف إلا القلة ما يدور فيها، ولم يكن غريباً قيام حكومة «العهد الجديد»، ولأسباب معروفة، بنقل صلاحية الإشراف على أموالها إلى الهيئة العامة للاستثمار.
* * *
عُقد قبل فترة، الملتقى العاشر للوقف الجعفري، تحت شعار «مسيرة عشرون عامًا»، وكالعادة خرجوا بتوصيات، لم يؤمن بجديتها أحد، فالجهة المشرفة على الوقف، مع الاحترام لشخوصهم، لم يحاولوا، لأسباب معروفة، تطوير عملهم الوقفي، خارج ما كانت تقوم به على مدى الأعوام الـ20 الماضية، علماً بأن الأسماء لم تتغير كثيراً منذ تأسيس اللجنة الاستشارية للوقف الجعفري، حتى بعد أن تحولت من استشارية إلى تنفيذية، مع غياب رئيسها، نائب الأمين العام للمصارف الوقفية، بحكم وظيفته في الأمانة العامة للوقف، فانتقلت صلاحياته، بحكم الواقع، والمخالف للمنطق، لشخصية فاضلة، وهو نائب رئيس اللجنة الاستشارية، ليصبح هو الرئيس التنفيذي، إضافة لكونه عضواً في اللجنة الاستشارية!
يقال إن اللجنة (الاستشارية / التنفيذية) تصر على السير على نهجها نفسه من دون تغيير أو تطوير، وأعتقد بصحة ذلك من واقع تجربة سابقة لي مع مسؤول وقفي خاص كبير، حيث طلبت منه مشاركتي، من خلال ما تحت يده من أموال الوقف «الشيعي»، في تأسيس مدرسة لـ«بطيئي التعلم»، وكانت الحاجة ماسة لها جداً، فرفض بحجة أن مصارف الوقف معروفة، ولا تشمل بناء مدارس!!
لا أشكك حتماً في نزاهة من أعرف من أعضاء اللجنة الاستشارية، لكن لا معرفة لي ببقية أعضاء اللجان المتعددة، شبه التنفيذية، المنبثقة عن اللجنة الاستشارية الأم، والذين يعملون، بصورة شبه تطوعية، والذين لم يطرأ تغيير جذري على أسمائهم، منذ عشرين عاماً. ويمكن ملاحظة أن هناك ما يشبه المحاصصة أو التوازن «المذهبي السياسي» في تعييناتهم، لإرضاء الجميع، وقد يكون السبب وراء ذلك عدم الرغبة في «عصرنة» أعمالها، لتجنب الدخول في متاهات ونقاشات، واختيار أعضاء جدد، علما بأنه لا جهة في الدولة، وفق علمي، استمر الإشراف عليها من قبل الأشخاص أنفسهم لعشرين عاماً، دون تغيير يذكر! وربما يكون السبب الآخر لمقاومة التغيير الحجم المالي الكبير والنفوذ العظيم الذي تمثله اللجنة الاستشارية وتفرعاتها، وهذا خلق تردداً كبيراً في تسليمها للغير. ويقال إن ثبات الوضع في اللجنة يشمل حتى رجال الدين الذين يستعان بهم في تقديم المشورة لها!
كل هذا يدفع المراقب للمطالبة بضرورة إعادة النظر بكامل أنظمة الوقف، سواء السني أو الشيعي، وتحديد فترة زمنية لكل عضو، مع تغيير نصف الأعضاء، مثلاً، بين الفترة والأخرى. وزيادة جرعة الشفافية في أعمالها، مع تقليص عدد الأعضاء، الذي ربما فرضته صعوبة إرضاء كل الأطراف، الدينية السياسية، في كل تعيين جديد، وفرض الاستعانة بأصحاب الخبرات، المالية مثلاً، عليها حتى لو لم يكونوا من «الجماعة».
كما يتطلب الأمر فرض رقابة داخلية دقيقة على عمل الوقف، وأن تكون جهة من خارجها تماماً، فنزاهة من سيأتون بعد الأعضاء الحاليين لا يمكن ضمانها للأبد. والأهم من ذلك صرف واستثمار أموال في أنشطة جديدة، بخلاف ما كان سائداً لألف عام مضت.
أحمد الصراف