: آخر تحديث

قمة الثمانين عاماً

5
4
3

جمال الكشكي

الجرح ينزف منذ ثمانية عقود، لم يتبقَ في قوس الصبر منزع، استنفد الفلسطينيون كل أنواع الصبر وكذلك العرب، بلغ منسوب الخطر مداه على القضية الفلسطينية، أدرك الجميع أن المخططات أبعد من غزة.

الآن ينتفض العرب بقوة حين طرحت مشروعات علنية لتصفية القضية الفلسطينية نهائياً وللأبد، على نحو ما طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عندما اقترح تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، بل وصل به الأمر أن دعا إلى امتلاك غزة نفسها، وجعلها (ريفيرا) الشرق.

لم يكن أحد يتخيل أن تأتي هذه الاقتراحات الرهيبة من الولايات المتحدة الأمريكية، راعية السلام بين العرب والإسرائيليين من كامب ديفيد ومدريد، مروراً بأوسلو ووادي عربة، نهاية باقتراحها هي نفسها مسألة حل الدولتين.

وأيضاً الولايات المتحدة الأمريكية، عضو الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، المكونة من الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، فأن يأتي الرئيس السابع والأربعون، ويكسر كل هذه القواعد، فإن ذلك لن يمر سهلاً، لذا فإن العرب وضعوا خطوطاً حمراء منعاً لتصفية القضية، ورفضاً لصناعة نكبة أخرى بعد نكبة 1948، وقد جاء على لسان أكثر من زعيم عربي، أنه لن يشارك في هذه المظلمة التاريخية، ولا ينبغي، والحق أقول إن العرب لديهم أوراق قد يجهلها المجتمع الدولي، أو يتغافل عنها، منها أن العرب يحظون بقاعدة جغرافية استراتيجية في قلب العالم، وبقاعدة سكانية تؤمن بحق فلسطين في تحقيق المصير، واستقلال دولتها المنشودة، ولا أظن أن أي أحد من هؤلاء السكان يتزعزع عن هذا الإيمان الراسخ، ثم إن هناك قاعدة سكانية وجغرافية شاسعة من العالم الإسلامي، ترفض المظلمة الواقعة على الفلسطينيين منذ ثمانية عقود.

وتدعو المجتمع الدولي إلى رفع هذه المظلمة اليوم قبل الغد، وقد شاهدوا جميعاً الإبادة الإسرائيلية لسكان غزة على الهواء مباشرة، وسمعوا تصريحات الساسة الإسرائيليين، وهم يعتبرون الفلسطينيين حيوانات بشرية، بالضد من القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف الأربع، ناهيك عن المعاهدات والمواثيق الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد لفلسطين، وبين المؤسسات الدولية، حماية للقضية الفلسطينية، كل هذا ضرب به الرئيس ترامب عرض الحائط، فكان لا بد من الصوت العربي الواضح لمواجهة هذه الأعاصير والعواصف التي ربما تستهدف مساحات أبعد من غزة، وأدرك العرب خطورة ما يثار الآن من أمريكا وإسرائيل، لذا جاء تحركهم لعقد قمة عربية طارئة يوم 4 مارس 2025، بالاتفاق مع رئاسة القمة الحالية، مملكة البحرين، قبل انعقاد القمة العادية التي تستضيفها العاصمة العراقية بغداد، ذلك أن الأمر جد خطير، والتحديات كبرى، والأحداث متلاحقة، والمتغيرات الاستراتيجية العالمية تسابق الزمن.

ورأينا التغيير الحاد والسريع بين أمريكا وروسيا في الملف الأوكراني، فمن الصدام الشرس، إلى التعاون الذي يقترب من الشراكة العالمية، وشاهدنا ذلك في الأمم المتحدة، ومجلس الأمن عندما تقدمت واشنطن بمسودة قرار ينص على إيقاف الحرب الروسية - الأوكرانية سريعاً، واعتبارها نزاعاً بين بلدين (أوكرانيا - روسيا)، وليس نزاعاً روسياً غربياً بالكامل، وقد وافقت الأمم المتحدة على هذا القرار دون اعتراض يذكر، بل اعتبرته وثيقة رسمية تقلب الموازين الاستراتيجية حول العالم، ورحبت به روسيا وأمريكا، ورغم اعتراضات أوروبا، فإن الأمر نفذ، ومن ثم فالعالم يتغير أسرع مما نتخيل، لذا فإن العرب وسط هذه الرمال السياسية المتحركة يخشون من حلول تفرض عليهم ولا تناسب مستقبل الاستقرار في المنطقة، ومن هنا جاء نداء القمة العربية واضحاً بمركزية القضية الفلسطينية بالنسبة لهم، ويذكرون المجتمع الدولي بقراراته المتتالية منذ ثمانين عاماً، ويذكرونه أيضاً بالخطر الكامن والمستمر من عدم حل هذه القضية التي طال أمدها أكثر مما ينبغي.

إن قمة الرابع من مارس 2025، هي قمة الخطوط الحمراء، والاختبار الصعب، والتأكيد على أن العرب رقم مهم في المعادلة الدولية، لا ينبغي تجاهله، ولا يفترض أن يفهم المجتمع الدولي أن العرب قد يتخلون لحظة واحدة عن القضية الفلسطينية، فثمة حل عادل وثوابت مركزية تتمسك هذه القمة بها، منها أن العرب اختاروا السلام الاستراتيجي كخيار تام بمحض إرادتهم، على أن يفضي هذا السلام إلى دولة فلسطينية، فمن غير المقبول أن يظل سلاماً في الفراغ، أو سلاماً على طريقة نتنياهو التي تكسر كل قواعد السلام.

إن نتائج هذه القمة تضع العرب في القمة على المسرح الدولي، وقطعاً ستنجح في تصحيح المسارات المغلوطة وإيقاف المطامع الإسرائيلية غير الشرعية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد