محمد الرميحي
على رسلكم فإن الحديث عن تهجير سكان غزة الذي تداعت له الأقلام، وخاصة العربية، وكأنه واقع لا محالة، هو لا أكثر من فقاعة من فقاعات الرئيس الأمريكي السيد دونالد ترامب. لقد فتح أبواباً كثيرة على إدارته، وبدأت الرياح تهب منها من الداخل والأكثر من الخارج، فقد أثار الكثير من اللغط في الجانب الأوروبي، وهو الحليف الأكثر قرباً تاريخاً إلى الولايات المتحدة، كما فتح باب الخلاف مع المملكة المتحدة، والأكثر مع الجيران المكسيك وكندا.
كما تحاول إدارته الدخول في تفاوض حول أوكرانيا بعيداً عن الذراع الأوروبي، والذي يجد نفسه في خلاف حول تكتيك المفاوضات مع الاتحاد الروسي، بعيداً عن ما ترغب الدولة الأوكرانية التي تخوض الحرب أن يتحقق. عدد من الملفات الداخلية والخارجية فتحتها الإدارة الأمريكية في بضعة أسابيع، فقط لإدارتها تحتاج إلى شهور وربما أعوام، يكون قد انقضى على الإدارة عامان وتدخل في انتخابات نصفية قد تتغير تركيبة المؤسسة التشريعية في غير صالح الإدارة!
نأتي إلى التهجير الفلسطيني من غزة وصفته بالفقاعة لأن المراد منه هو هز العصى من بعيد لأن التهجير الفعلي مستحيل، فكيف ومن سوف يقوم بذلك؟.. وكيف يهجر شعب من أرضه؟، فكرة التهجير هي رفع سقف المطالب وإدخال الفزع في النفوس، من أجل تحقيق هدفين هما، أولاً فك قبضة «حماس» على القرار في غزة، وهو مطلب أعلنه أيضاً أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة العربية، والثاني هو تمويل عربي خليجي في الأساس لتعمير غزة!!
العرب أو كثير منهم كانوا من خلال العواطف مع القضية الفلسطينية، وهي قضية محقة دون نقاش، إلا أن بعض قيادتها أخذتها إلى منطقة المغامرة غير المحسوبة النتائج، ومع تحالفات غير واقعية، وجندت تلك القيادات القضية لأجندة أخرى غير تحقيق المصالح العليا للفلسطينيين، فقد دخلت في صراع غير متكافئ هدمت فيه غزة أكثر من مرة جزئياً، وفي كل مرة تعقد الاجتماعات العربية والدولية تحت شعار «إعمار غزة» فيتم الإعمار، وتأتي «حماس» أو «الجهاد» وتكون سبباً في تدميره من جديد، هذه المرة سوف يمنع ذلك، فالإعمار هذه المرة مربوط بعدم وجود «حماس»، لأنها ممكن ببساطة أن تستدعي ماكينة الصلف الإسرائيلي للهدم من جديد.
رفع السقف والتهديد بالتهجير، فقط لتحقيق الهدفين السابقين لا أكثر. في لقاء أحد مسؤولي السلطة الذي زار الكويت الأسبوع الماضي، وذاك اللقاء كان محصوراً بعدد قليل من المهتمين، سمع الجميع منه أن بعض النشطاء في مخيمات الضفة يلجؤون إلى المشافي للتستر بها، مما يجعل تلك المشافي هدفاً لنيران الاحتلال بمن فيها من المرضى، وهي شهادة من الداخل في كيف يدير البعض صراعه من أجل استدعاء الخصم، حتى إلى أماكن الاستشفاء، وتعريض من ليس لهم حيلة إلى القتل!
الطريق الذي لا تريد كثير من القوى الفلسطينية السير فيه، هو التركيز على فكرة لم شمل الصف الداخلي في مواجهة عدو قوي ومنظم ومسنود من أقوى نظم العالم، ذلك يشكل حائطاً لمنع تحقيق أي تقدم، فالمنهج برمته يحتاج إلى إعادة زيارة.