سليمان جودة
من النظرة الأولى إلى الشعار الذي رفعته قمة الحكومات العالمية في دورتها الجديدة هذه السنة، تستطيع أن ترى أن هذه قمة لا تتطلع إلا إلى المستقبل، ولا تلتفت إلى الماضي إلا بالقدر الذي يأخذها من الحاضر إلى ما بعده على طول الطريق. أما الشعار فكان من ثلاث كلمات، هي: استشراف حكومات المستقبل، وأما الدورة الجديدة التي أنهت أعمالها قبل أيام، فكانت هي الدورة رقم 12 في سلسلة من الدورات كانت كل واحدة منها تستلتهم من سابقتها وتتهيأ للدورة اللاحقة.
وعندما أطلقت الدورة الجديدة أعمالها، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله: «إن الإمارات حريصة على تعميم تجربتها في تطوير العمل الحكومي».
ولا بد أن هذه عبارة كاشفة عند الحديث عن القمة كمؤسسة ترسخ مكانتها في مجال اهتمامها عاماً بعد عام، هي كاشفة لأن القمة لا تريد فقط أن تطور العمل الحكومي على أرض الدولة، ولا تريد أن تستحوذ على حصيلة عملها في التطوير لتكون من نصيب الإمارات وحدها، وإنما الهدف أن يجري تعميم التجربة، وأن يكون عائد جهد القمة واصلاً إلى كل حكومة في كل بلد ومتاحاً لها، وبما يعني أن القمة تحمل رسالة إنسانية في جوهر أهدافها، وأنها ترغب في أن يتحسن الأداء الحكومي في العالم وأن يتطور مع تطورات العصر، وأن يحصل كل إنسان في مكانه على الخدمات الحكومية بمستوى من الأداء أفضل مما كان عليه قبل انطلاق الدورة الأولى للقمة.
ولم يكن معالي محمد بن عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، رئيس مؤسسة القمة العالمية للحكومات بعيداً عن هذه المعاني والتصورات وهو يخاطب الحاضرين في كلمته الافتتاحية التي انطلقت بها أعمال القمة، مما قاله على سبيل المثال أن على الحكومات أن تتأمل مسيرة الخمس والعشرين سنة المنقضية، لأنها حين تتأملها سوف تكتشف أن تلك سنوات لم تكن مجرد وقت يمضي أو يمر، ولكنها بالأساس كانت مجموعة من الدروس التي تراكمت فوق بعضها البعض.
ولا شك في أن الالتفات إلى الدروس في كل سنة ماضية يضمن للذين يلتفتون إليها ألا يكرروا أخطاء وقعت هناك، ويضمن أيضاً وهذا هو الأهم، أن يتحول كل خطأ وقع في الزمن الماضي إلى فرصة يتطور بها الأداء الحكومي وهو ذاهب إلى المستقبل.
إن علينا أن نتوقف أمام شعار الكلمات الثلاث لأن كلمة الاستشراف فيه كافية للدلالة على أن قمة الحكومات العالمية تدعو كل حكومة إلى ألا تنتظر حتى يأتيها المستقبل عندها وهي في محلها، وإنما تبادر هي فتذهب إليه وتلتقيه، فلا معنى لكلمة الاستشراف إلا محاولة التعرف على ملامح المستقبل وهو لا يزال في موضعه البعيد، أو حتى وهو في طور التشكل ثم الولادة من رحم الغيب، وإذا حدث هذا فالحكومة لن يفاجئها شيء لأنها ستكون مستعدة وجاهزة.
إنني لا أزال أذكر كيف جرى عرض نماذج من الطائرات المُسيّرة في الدورات الأولى للقمة، وفي ذلك الوقت لم تكن هذه الطائرات قد شاع أمرها وانتشر كما هو الآن، ولا كان استخدامها في أعمال الحروب والمعارك هو الغالب كما نتابع في الكثير من الجبهات. لم يكن هذا كله قائماً في ذلك الوقت، وكانت القمة وهي تبشر بالطائرات المسيرة تقول إن هذه طائرات يمكن توظيفها لتطوير العمل الحكومي، وإن إنسان العصر يمكنه أن يتلقى الخدمة الحكومية بطائرة مسيرة وهو جالس في بيته، أو وهو منتظر في حديقة البيت هبوط الطائرة القادمة إليه تقدم له الخدمة الحكومية المطلوبة، بينما هو في نطاق بيته لم يغادره.
أذكر أنني جلست مع سواي ممن كانوا يتابعون أعمال الدورات الأولى، وأذكر أننا كنا نتابع غير مصدقين ولا متخيلين ما نراه ونتابعه، ولكن اتضح أن القمة التي تستشرف المستقبل في دورتها الجديدة في العام الخامس من العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، كانت تفعل ذلك قبل عقد من الزمان، وأن هذه كانت طبيعة فيها منذ الدورة الأولى، وكما نعرف فإن الطبيعة تظل غالبة في الإنسان، وإذا شئت قلت وفي قمة الحكومات على السواء.
وقد جاء بوريس جونسون، رئيس الحكومة البريطانية الأسبق، فوقف متحدثاً أمام إحدى جلسات القمة، ومما قاله :«إن دبي سبقت حكومته على أكثر من مستوى، وبالذات في مجال المطارات التي تخاطب حاجة الناس إلى السفر في المستقبل»، فكانت شهادته شهادة من خواجة في حق قمة الحكومات.