عماد الدين حسين
هل قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يتحدى ويصطدم بكل العالم ويدخل في صدام مفتوح مع الجميع؟ من الواضح أن الإجابة هي نعم، حتى ولو لم يقصد ذلك. ترامب دخل البيت الأبيض في ولايته الثانية يوم الاثنين 20 يناير الماضي، وفي الدقائق الأولى من الولاية، وليس بعد ساعات أو أيام أو شهور كان قد اتخذ العديد من القرارات والأوامر التنفيذية، التي تمثل انقلاباً فعلياً في العديد من الشؤون والمجالات الداخلية والخارجية.
في يومه الأول أصدر ترامب 78 أمراً تنفيذيا متنوعاً، منها العفو عن 150 شخصاً على صلة بقضية اقتحام الكونغرس عام 2021، وهو ما أغضب جميع الديمقراطيين، وألغى القوانين التي تهدف إلى مساعدة السود واللاتينيين والأمريكيين الأصليين والآسيويين، وسكان جزر المحيط الهادي، وهم قطاع كبير في المجتمع، كما أنهى الرقابة الحكومية على حرية التعبير واستهدف الدولة العميقة، خصوصاً فيما يتعلق بتسليح الموظفين الحكوميين ضد المعارضين السياسيين، وعلق برنامج إعادة التوطين، كما ألغى حق الجنسية بالولادة، الذي يعتبره سياحة الولادة، وهو الأمر الذي نقضته بعض المحاكم الأمريكية.
هذه القرارات معظمها موجه للداخل الأمريكي، ومن قراءة سريعة لها يتضح أن ترامب كسب عداوة كل هذه الفئات المستهدفة، لكنه أيضاً اتخذ العديد من القرارات، التي كسب بها معارضة وعداوة كثير من الدول والجماعات والمنظمات الخارجية، خصوصاً المدافعين عن البيئة، حينما أصدر حالة طوارئ خاصة بالطاقة لخفض التكاليف وزيادة الإنتاج، ثم ألغى قرار بايدن بحظر التنقيب عن النفط والغاز في مساحة 16 مليون فدان من المياه الإقليمية، ثم أكمل ذلك بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ.
هو جمّد كل المساعدات الخارجية لمدة 90 يوماً عدا الموجهة لإسرائيل ومصر، كما أوقف كل برامج الدعم التنموي، خصوصاً لوكالة المساعدة الأمريكية، التي يستفيد منها العديد من الطلاب الجامعيين، وكذلك المساعدات المقدمة إلى فقراء في أنحاء مختلفة من العالم.
هو انسحب أيضاً من منظمة الصحة العالمية، مما يجعله يدخل في صدام مع كل الدول التي كانت تستفيد من برامج هذه المنظمة المهمة، ورفض العودة لوكالة «الأونروا»، التي تقدم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في الداخل والخارج. طبعاً هو دخل في حرب طاحنة مع المهاجرين، وأجبر المكسيك وكندا على تخصيص ميزانيات لحراسة الحدود، كما قرر ترحيل بعض المهاجرين بالقوة إلى دولهم أو دول أخرى.
ليس ذلك فقط، بل ودخل في حالة صدام غير مسبوقة مع كندا حينما هددها بفرض رسوم جمركية على صادراتها بنسبة 25%، لأن هناك فائضاً تجارياً لصالح أوتاوا، وهددها بأن تنضم لتصبح الولاية الأمريكية رقم 51 أو تواجه الحصار الاقتصادي، كما هدد المكسيك بإعادة كل مهاجريها، وكذلك تغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا.
ومع الدنمارك فهو يضغط عليها، لكي تبيع له جزيرة جرينلاند، التي تبلغ مساحتها 2.7 مليون كيلو متر، وسخر من حكومة الدنمارك، التي قررت تعزيز الأمن فيها بدوريات من الكلاب، في حين يرى هو أن هذه الجزيرة قد تتحول إلى مناطق نفوذ صينية أو روسية، ونعلم تماماً أنه اصطدم مع بنما، ويريد شراء قناتها البحرية أو إعفاء سفنها من رسوم المرور، بحجة أن أمريكا أسهمت في بنائها، وهو الأمر الذي ترفضه بنما تماماً.
هو أيضاً في صراع قديم متجدد مع الصين بشأن قرر فرض رسوم جمركية بنسبة 80 % علي السلع الصينية، وردت الصين بالمثل، فتم التأجيل قليلاً، ودخل في صراع مماثل مع الاتحاد الأوروبي بفرض 20 % رسوماً، ودخل في صدام أكبر مع دول حلف شمال الأطلسي، مطالباً إياها بأن ترفع نسبة مساهمتها في ميزانية الحلف إلى 5 % بدلاً من الطلب السابق وهو 3 %، كما هدد أي دولة أو جماعة تستخدم عملة غير الدولار بفرض رسوم جمركية تصل إلى 100 %.
هو اصطدم مع أوكرانيا، وأرسل إليها وزير خزانته ليطالبها برد 350 مليار دولار قيمة المساعدات العسكرية والاقتصادية، التي قدمتها واشنطن لها منذ الحرب مع روسيا في فبراير 2022. الدولتان الوحيدتان في العالم اللتين لم يدخل ترامب في صدام معهما هما روسيا وإسرائيل.
يمكن فهم موقفه من إسرائيل، حيث إن قاعدته الانتخابية الأساسية من اليمين الشعبوي المؤيد لإسرائيل، إضافة إلى أن أغلبية المساهمات المالية في حملته الانتخابية جاءت من قادة اللوبي الإسرائيلي، ولذلك يمكن فهم سر مقترحه الغريب الداعي إلى تهجير سكان غزة إلى الخارج، وإقامة منتجعات في غزة، وهو المقترح الذي قوبل برفض عربي إسلامي دولي كاسح، كما ألغى العقوبات على المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية.
أما روسيا فلا يعرف كثيرون سر تودد ترامب معها، ومع رئيسها بوتين، ترامب اتصل بالرئيس الروسي لمدة ساعة ونصف الساعة يوم الأربعاء الماضي، وخرج بعدها ليقول إن أوكرانيا يمكن أن تكون روسية يوماً ما، وأنها لن تدخل حلف شمال الأطلسي، في حين طالب بإعادة موسكو لمجموعة السبع الصناعية.
إذن ومن قراءة بسيطة فيما فعله ويفعله دونالد ترامب نجد فعلاً أنه دخل في مواجهة مفتوحة وشاملة مع أغلبية بلدان العالم باستثناء روسيا وإسرائيل حتى هذه اللحظة، وربما يصطدم بهما مستقبلاً.
السؤال: لماذا يدخل ترامب كل هذه المعارك الضخمة في وقت واحد؟! أليس من الأفضل له ولبلده ألا يجعل العالم كله متحداً ضده؟ هذا السؤال يقود مرة أخرى إلى ضرورة فهم عقلية هذا الرئيس الأمريكي، الذي يستحيل أن نجد له مثيلاً بين الرؤساء، الذين تعاقبوا على حكم أمريكا منذ الرئيس الأول جورج واشنطن، الذي تولى الحكم عام 1797، وحتى الرئيس ترامب رقم 47. ترامب نتفق أو نختلف معه شخصية استثنائية ينبغي أن نفهم شخصيته بصورة صحيحة، لأنه هو رئيس أقوى دولة في العالم، وقراراته يتأثر بها أغلبية سكان العالم، وكما يقولون «فحينما تعطس أمريكا يصاب معظم العالم بالزكام!».