: آخر تحديث

عوائق العلاقات الطبيعية بين لبنان وسورية

2
2
2

رامي الخليفة العلي

كم من الجراح يختزنها قلب التاريخ بين لبنان وسورية، وكم من الحكايات الموجعة نسجت بين بلدين جارين، تحكمهما الجغرافيا ويثقل كاهلهما عبء التاريخ. سقوط نظام الأسد قد يفتح أبواباً لطالما أُغلقت على حلم العلاقة الطبيعية بين الدولتين، علاقة يسودها الاحترام المتبادل والندية، لا الهيمنة والاستغلال. منذ أن وطأت أقدام حزب البعث سُدَّة الحكم في دمشق، بات لبنان في نظر سورية أشبه بمسرح صغير تحركه أنامل السياسة العابثة. ومع وصول حافظ الأسد إلى السلطة، تحوّل المسرح إلى ساحة دموية لتصفية الحسابات، ووسيلة لإرسال رسائل لا تحمل إلا رائحة الموت والدمار. لبنان، بجماله وتنوعه، تحوّل إلى حقل تجارب لحكم الأسد الأب، الذي سلّم ملفه اللبناني لابنه بشار، ليُدرّبه على فنون الحكم والسياسة، ولكن أي سياسة هذه التي تُدرّب على أنقاض الأوطان؟ جيش حافظ الأسد، الذي عاث فساداً في سورية، امتدت يده العابثة إلى لبنان. فكأن ما كان من دمار في سورية لم يكفِ، حتى جاء دور لبنان ليكون ضحية أخرى في مسرح العنف والدم. بشار الأسد لم يكن سوى نسخة أكثر تهوراً من والده، يفتقر إلى حكمته المزعومة، ويمتلئ بالغرور والعنجهية التي دفع ثمنها السوريون واللبنانيون على حدٍّ سواء. ومع سقوط هذا النظام المستبد، جاءت وعود جديدة على لسان النظام الجديد في دمشق، تشير إلى رغبةٍ بفتح صفحة بيضاء مع لبنان. قائد العمليات أحمد الشرع نفسه أعلن عن نوايا للتغيير، للاعتراف بسيادة لبنان واستقلاله، وهذه ربما تكون المرة الأولى التي تعترف سورية بسيادة الدولة اللبنانية بشكل حقيقي وبنوايا صادقة. لبنان، من جانبه، لا يبدو مستعداً حتى اللحظة لمد اليد. الرسائل الرسمية غائبة، والموقف اللبناني لا يزال مشوباً بالتردد والحدة، باستثناء زيارة يتيمة للوزير السابق وليد جنبلاط بصفته الحزبية والشخصية، والتي لا ترتقي إلى مستوى التغيير المطلوب. وما يزيد من تعقيد المشهد، هو استمرار حزب الله في مصادرة القرار السياسي والسيادي للبنان. كيف يمكن لدولة أسيرة أن تبني علاقة ندية مع جارتها؟ كيف يمكن للبنان أن يحقق استقلاله الفعلي بينما قراراته معلّقة في يد قوة مسلحة تتبع أجندة خارجية؟

حتى أبسط العلاقات اليومية بين البلدين تبدو متوترة. المواطن السوري القادم إلى لبنان عبر مطار رفيق الحريري الدولي يواجه ممارسات حادة وعنيفة ومهينة، حيث يبدو حزب الله ما زال يسيطر على أحد المعاقل الأمنية له والمتمثلة بالمطار والتي رفض التخلي عنه على امتداد السنوات الماضية حيث ما زال التهريب وإدخال أدوات الموت والتدمير تحدث فيه. لبنان وسورية يستحقان علاقة أفضل؛ علاقة تُبنى على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بعيداً عن عقلية الهيمنة والألاعيب السياسية. ولكن هذا الحلم لا يمكن أن يتحقق إلا إذا استعاد لبنان سيادته الحقيقية. حينها فقط، قد تُشرق شمس جديدة على سماء العلاقات بين الجارتين.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد