: آخر تحديث

تخاذل أوروبي تجاه سورية الجديدة

3
4
4

سلطان ابراهيم الخلف

إعادة بناء سورية تشكّل تحدياً كبيراً للسوريين بعد أن أحالها السفّاح بشار، خراباً قبل أن يفرّ منها إلى روسيا كإرهابي لاجئ. ويقدّر المراقبون أن كلفة إعادة بناء سورية تصل إلى ما يقارب 400 مليار دولار. لكن إعادة البناء تتطلّب بدايةً رفع العقوبات الاقتصادية، مع توفير الأمن للشعب السوري من خلال القبض على فلول النظام الأسدي، الذين ارتكبوا جرائم فظيعة في حق السوريين، وتقديمهم للعدالة، من أجل تحقيق القصاص، وردّ الاعتبار لأُسر المفجوعين بالضحايا من فلذات أكبادهم.

ومن غير المعقول أن يُترك هؤلاء القتلة دون قصاص، أو على أساس «عفا الله عمّا سلف»، والمعروف أن الحلفاء الأوروبيين بعد انتصارهم في الحرب العالمية الثانية التي دامت 6 سنوات أنشأوا محاكم عسكرية خاصة في مدينة «نورمبرغ» الألمانية لمحاكمة النازيين الألمان الذين ارتكبوا جرائم حرب ضد الإنسانية وضد اليهود الأوروبيين، ما يعني أن هناك مبرّراً كافياً لملاحقة مجرمي النظام الأسدي، وتقديمهم للعدالة، بعد أن ارتكبوا جرائم إرهابية فظيعة ضد الشعب السوري على مدى الخمسين عاماً الماضية، تسبّبت في قتل وتشريد الملايين من السوريين، وتحويل الدولة السورية إلى خراب ومركز لصناعة وتهريب حبوب المخدرات «الكبتاغون».

من بين الوفود التي تقاطرت على دمشق بعد سقوط السلطة الأسدية، وزير خارجية فرنسا جان نويل، ووزيرة ألمانيا الاتحادية أنالينا بيربوك، جاءا كممثلين عن الاتحاد الأوروبي، واتضح من لقائهما لأحمد الشرع، القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أنهما مهتمان كثيراً بمستقبل الأقليات في سورية، ربما أكثر من الخراب والمعاناة للأكثرية السورية المسلمة، وكانت بيربوك، أكثر صراحة عندما قالت «أوروبا ستدعم سورية الجديدة لكن لن تموّل هيئات إسلامية»، معبّرة بطريق غير مباشر عن حالة من الإحباط والحسرة، وهي تشاهد شخصية إسلامية أمامها تمسك بزمام الأمور في سورية، بعد أن كانت سورية تحت سلطة علمانية فئوية متوحشة.

قد لا تستغرب من موقف الوزيرة بيربوك، فالمعروف أنها كانت قد أدلت بتصريح دافعت فيه عن حق الإرهابيين الصهاينة في تدمير المستشفيات والمدارس، ومراكز الإيواء دون أي اعتبار لأرواح الفلسطينيين المدنيين والذين يشكّل الأطفال نسبة كبيرة منهم، رغم أنها تنتمي إلى «حزب الخضر»، الذي يهتم بالحفاظ على سلامة البيئة الطبيعية، لكن يبدو أن بيربوك عدوة للبيئة الإنسانية وأرواح الأطفال الفلسطينيين، وتجري فيها دماء أجدادها النازيين.

أما الوزير الفرنسي فقد كان مهتماً جداً بالمسيحيين السوريين وقد صرّح: «نؤكد على أننا سنقف إلى جانب ممثلي المجتمع المدني والمسيحيين في سورية»، وكأن المسيحيين قوم آخرون منفصلون عن المجتمع المدني، لكنه لا يقف بجانب المسيحيين الفلسطينيين وهم يواجهون الاضطهاد والقمع على أيدي حكومة الصهاينة والمستوطنين اليهود.

من المؤكد أن الإدارة السورية الجديدة تدرك حقيقة الموقف الأوروبي الذي يشعر بالخيبة من سقوط النظام العلماني الأسدي على أيدي المعارضة الإسلامية، رغم ما ارتكبه النظام من جرائم فظيعة ضد الغالبية المسلمة من الشعب السوري، وستتخذ الإدارة الجديدة من الحذر معياراً في التعامل مع الاتحاد الأوروبي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد