: آخر تحديث

الكراهية والأحقاد.. الداء والدواء

5
5
5

أحمد محمد الشحي

من المشاعر السلبية التي تشكل خطراً على العلاقات وعلى التعايش والاستقرار مشاعر الكراهية والأحقاد تجاه الآخرين، والتي تنبع من منابع نفسية أو أيديولوجية أو غيرها، فتورث العداوة والفرقة بين الناس، وتؤدي إلى تنامي التوتر والاحتقان بينهم، وقد تتحول مع الأيام إلى ما يشبه الجمر تحت الرماد للصراعات المستمرة التي لا تهدأ، سواء على مستوى الأسر أم الأقارب أم المجتمعات بشكل عام، وعندما تتحكم هذه المشاعر في الأفراد يصبح من الصعب بناء جسور التفاهم والاحترام المتبادل بينهم، لأن تلك المشاعر السلبية تورث بينهم الفجوة والجفوة، فتزداد الخلافات اتساعاً، فربما وقع الإنسان بسبب ذلك في الظلم والاعتداء على غيره، حيث يدفعه حقده على الآخرين إلى أن يسيء إليهم، ويجافي العدل والإنصاف في التعامل معهم، ويقابل ما يصدر منهم من إساءة بإساءات أكثر وأبلغ، والأدهى أن يقابل الإحسان بالإساءة، لما في قلبه من شدة النفور والكراهية تجاه هذا الشخص أو ذاك، وأما على مستوى المجتمعات والأوطان فقد تؤدي مشاعر الكراهية والأحقاد إلى النزاعات المحتدمة والصراعات الدائمة.

وقد حثت تعاليم ديننا الحنيف على سلامة القلب والصدر تجاه الناس، باعتبار الباطن منبعاً لهذه المشاعر، وصلاحه صلاح للظاهر والسلوك، وبمقدار صفاء القلب ينعكس آثار ذلك في المعاملة الحسنة مع الآخرين، فينتشر بذلك التراحم والوئام، ويسود التعايش والانسجام، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: «‌كل ‌مخموم ‌القلب، هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد»، أي: إن أفضل الناس منزلة عند الله تعالى كل من نقَّى قلبه من الغل والحسد والبغض والعداوة، ولذلك كان من دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم قوله: «واسلل سخيمة قلبي» أي أخرج يا ربي من قلبي غله وحقده وحسده ونحوها من مساوئ الأخلاق، وقال عليه الصلاة والسلام مخاطباً أفراد المجتمع: «لا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا ‌عباد ‌الله إخوانا».

فإذا أبغض الإنسان إنساناً لسبب فإن من واجبه أن يضبط ذلك، فلا يحمله بغضه له على الاعتداء عليه أو ظلمه بأي شكل كان، وقد قال الله تعالى ناهياً عن ذلك: {ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}، أي: لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم، وقال عز وجل: {‌ولا ‌يجرمنكم ‌شنآن ‌قوم ‌أن ‌صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا}، بل جاء الترغيب في العفو والصفح عمن ظلم الإنسان، وهي مرتبة أعلى من ترك الاعتداء عليه، وهي داخلة في مرتبة الإحسان في معاملة الخلائق، والتحلي بذلك من أسباب راحة النفس ومحبة الغير، كما قيل: حُلَّ عُقَد الحقد ينتظم لك عَقْد الوُد، وقال الشاعر:

لما عفوتُ ولم أحقد على أحدٍ... أرحتُ نفسي من غمِّ العداواتِ

ومن أهم من يحتاج إلى هذه الخصال الزوجان، فإنه إذا اشتعل فتيل الكراهية بينهما كان ذلك سبباً لاندلاع الخلافات وتفكك الأسرة، ولذلك من الضروري علاج هذه المشاعر في مهدها، ومما يعين على ذلك ألا يقتصر الزوج أو الزوجة على النظر إلى زاوية واحدة فقط، وهي الزاوية التي انبثقت منها الكراهية، بل النظر إلى الزوايا الأخرى الإيجابية التي تجلب المحبة والوئام، وقد أرشدنا النبي عليه السلام إلى ذلك بقوله: «لا ‌يَفْرَك (أي لا يكره) ‌مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر»، ومن أهم ذلك كذلك تربية الأبناء على التسامح وصفاء القلوب منذ صغرهم، وخصوصاً فيما بين الإخوة والأخوات، لينشأوا على هذه الخصلة الطيبة، ومن أهم سبل العلاج للكراهية والأحقاد عموماً التحلي بالقيم الإيمانية، فكلما كان الإنسان إلى ربه أقرب كان على تصفية قلبه أقدر.

وقد اعتنت دولة الإمارات ببناء مجتمع متسامح يعزز قيم الاحترام والمواطنة الصالحة بين أفراده، وأصدرت قانون مكافحة التمييز والكراهية، الذي يجرّم كل قول أو فعل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات، مما يحافظ على الاستقرار المجتمعي، ويسهم في بناء مجتمع يسوده السلام والوئام والاحترام.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد