عبده خال
تباشير إحلال الروبوت محل الإنسان أصبح خبراً ممكناً، فمع الطاقة الجبارة في استخدام التقنيات الحديثة أصبح أي خبر يشير إلى مسح الوجود المادي للإنسان غير محفز لزيادة ارتفاع نبض القلب.. كنت أسير في دهاليز هذا اليقين، ولم يخطر في بالي يوماً أن أبكي تأثراً من مشاهدة فيلم كرتون، فما رسب في الأعماق أن هذه الأفلام لا تعدو كونها أفلاماً أُنتجت لسلوة الصغار، بالأمس كانت الدموع حاضرة، ومدرارة وأنا أشاهد فيلم (أنمي)، أفلام الأنمي هي أعمال الرسوم المتحركة اليابانية، وأنمي اختصار من كلمة أنميشن الإنجليزية الدالة إلى أفلام الكرتون.. وكما يحدث الآن من سرعة تبدل المفاهيم، لم تعد تلك الأفلام مجرد أفلام كرتون ينظر إليها نظرة دونية، إذ أصبح لها موقع متقدم في السينما العالمية، وأخذت تنافس للحصول على المراكز المتقدمة في المهرجانات العالمية، وبعضها حصل على الأوسكار..
أوقات كثيرة (وفي مختلق سنوات العمر) شاهدت عشرات أفلام الكرتون ذات الطابع المتخيل؛ الذي يتماشى مع مخيلة الطفل، تلك المخيلة المنطلقة التي لا تقف عند حد، والعاشقة لاختراق الواقع لكي تثبت ضمنياً بأن خلف الواقع واقعاً مختلفاً عما نحياه، إلا أن أفلام (الأنمي) استشعرت بأن الواقع تم السطو عليه، فأراد منتجوها إعادتنا إلى الإنسان بحزنه وأمانيه، ومن شاهد فيلم الأنمي المعنون بـ(مقبرة اليرقات) سوف يسكن الواقع ويتفاعل مع شخصيات الفيلم، شخصيات كرتونية استطاعت جذبك إلى واقعها المجسد للنزعة الإنسانية في ضعفها، وألمها، وانكسارها.
فيلم (مقبرة اليرقات) مأخوذ من رواية الكاتب الياباني نوساكا (المتوفى 2015) وقد حصدت الرواية على جائزة (ناوكي) الأدبية.. وظلت الرواية سجينة الورق والذكريات، إذ إنها كتبت في عام 1967 إلى أن تم الالتفات إليها حينما تحولت إلى فيلم أنمي عام 1988 ليكون الفيلم استرجاعاً لعظمة الرواية المكتوبة.
وبعيداً عما قيل عن الروائي وشاهدته لزمن الحرب العالمية الثانية وعلاقته بأخته التي أساء لها في الواقع، وحينما كتب الرواية كاعتذار لما سببه لها من الآلام فإن الفيلم قدم اعتذاراً مديداً لتلك الطفلة التي ماتت وهي في شغاف قلب كل من شاهد الفيلم.
أريد التأكيد على أن صناعة السينما أو الدراما (في العالم) كانت الرواية هي الطاقة الحيوية لتك الأفلام، ولصناع السينما لدينا تنبيه لقراءة منتجنا الروائي، فيه كنوز من الشخصيات الإنسانية القادرة على استنهاض الإبداع لدى مخرجي السينما المحلية.