يعاني نعيم قاسم، الأمين العام الجديد لـ"حزب الله"، من مقدار كبير من الحيرة. يعرف في قرارة نفسه حجم الهزيمة التي مُني بها الحزب في ضوء الحرب التي شنّتها إسرائيل عليه، وهي حرب عادت بالويلات على لبنان وعلى أبناء الطائفة الشيعية تحديداً. لا يستطيع قاسم مواجهة الحقيقة، ولا يستطيع في الوقت ذاته سوى طمأنة البيئة الحاضنة عبر بيع الأوهام. إنها أوهام من نوع أنّ "حزب الله" حقّق في الحرب الأخيرة انتصاراً أكبر من انتصار العام 2006، وأنّه أجبر إسرائيل على قبول وقف النار. لا يصدّق خليفة حسن نصرالله نفسه أي كلمة وردت في خطابه الأخير، خصوصاً أن لغة الأرقام لا تُخطئ. يكفي عدد القرى التي دمّرها الوحش الإسرائيلي للتأكّد من ذلك... هذا إذا وضعنا جانباً عدد اللبنانيين الشيعة الذين باتوا مشرّدين في مختلف أنحاء لبنان. بعض هؤلاء ذهب إلى سوريا أيضاً، وبعض آخر ذهب إلى العراق. لا يستطيع نعيم قاسم تجاهل عدد الذين قتلتهم إسرائيل من قياديي الحزب بدءاً بحسن نصرالله وابن خالته هاشم صفي الدين ذي النفوذ الواسع، والذي كان يُعتبر بين أقرب الناس إليه. يشبه وضع "حزب الله"، في ضوء قبوله بإشراف "الشيطان الأكبر" على آلية تنفيذ القرار الرقم 1701، واضطراره إلى الفصل بين حربي لبنان وغزّة، النظام البعثي السوري في مرحلة ما بعد وقف النار في حرب حزيران (يونيو) 1967. وقتذاك، جمع وزير الخارجية إبراهيم ماخوس موظفي الوزارة ليقول لهم إن سوريا انتصرت في الحرب مع إسرائيل على الرغم من سقوط الجولان الذي احتلته الدولة العبريّة. برّر ذلك بأن هدف الحرب كان إسقاط النظام وقد فشلت إسرائيل في ذلك. بالنسبة إلى ماخوس، الذي لجأ إلى الجزائر بعد الانقلاب الذي نفّذه حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970، لا وجود لهزيمة عربيّة نتيجة حرب الأيام الستة. المهم، بالنسبة إلى الرجل الذي توفي في الجزائر، فيما لا يزال الجولان محتلاً منذ 57 عاماً، هناك مفهوم آخر للهزيمة والانتصار ومعناهما. المهمّ بقاء النظام البعثي الذي زاد سوريا فقراً وبؤساً وعزلة دولية. مكّن ذلك حافظ الأسد، الذي كان وزيراً للدفاع لدى احتلال الجولان من تنفيذ انقلابه بسهولة رافعاً شعار "الحركة التصحيحيّة". كم يشبه اليوم، المتمثّل في أحداث 2024، البارحة التي عمرها 57 عاماً. توجد حالياً هزيمة ساحقة ماحقة لحقت بـ"حزب الله". أكثر من ذلك، كانت لهذه الهزيمة انعكاسات على الوضع السوري، حيث يعاني النظام من عجزه، في ظلّ تراجع المشروع التوسّعي الإيراني، عن مواجهة قوات معارضة مدعومة من تركيا في شمال شرقي البلد، في إدلب وحلب تحديداً. لا يستطيع النظام أيضاً تلبية مطالب روسيّة تكرّرت منذ أشهر عدّة. تتعلّق هذه المطالب بتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، بدءاً بلقاء يُعقد بين الرئيس رجب طيب إردوغان من جهة وبشّار الأسد من جهة أخرى. يرفض "حزب الله" التعلّم من المصائب التي جرّتها حرب "إسناد غزّة" عليه وعلى لبنان. اختار المكابرة. في السياسة، لا وجود لخيار اسمه المكابرة. لا يتجاهل الحزب المصلحة الوطنية اللبنانيّة فحسب، بل يصرّ أيضاً، عبر أمينه العام، على رفض التعاطي مع إقامة إسرائيل منطقة عازلة في جنوب لبنان في طول "الخط الأزرق". ما الذي يحول دون التعاطي مع الواقع؟ الجواب، أن إيران تعيش في عالم خاص بها. عالم أقرب إلى الوهم من أي شيء آخر. لا يهمّ "الجمهوريّة الإسلاميّة" ما يحلّ بجنوب لبنان وأهله، ولا يهمّها عدد السنوات التي سيبقى فيها الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب... مثلما لم يهمّها الاحتلال الإسرائيلي المستمر للجولان السوري!
في السياسة... لا وجود للمكابرة!
مواضيع ذات صلة