لن يكون كافيا بعد الأيام الأقل من أسبوع على إعلان اتفاق وقف العمليات العدائية بين لبنان (لبنان اصطلاحا لأن الطرف المعني هو "حزب الله") وإسرائيل، "طمأنة" اللبنانيين ولا سيما منهم مئات ألوف الجنوبيين الذين بالكاد تمكنوا من معاينة دمار غير مسبوق في بلداتهم وقراهم، إلى أن الهدنة تهتز ولن تسقط. هذه الثرثرة الجوفاء التي يتسبب بها البحث عن مسببات لإعادة تفجر الواقع الحربي لن تكون سوى عامل صدمة جديدة حيال استعادة المناخ الذي واكب اشتعال المواجهات الأولى بين الحزب وإسرائيل في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي حين قرر الحزب ركوب المركب الخشن المسمى حرب المشاغلة لإسناد غزة في مواجهتها حرب الإبادة الإسرائيلية انتقاما لـ"طوفان الأقصى". يومذاك أيضا أفتى الحزب بانطلاق حرب المشاغلة من مزارع شبعا باعتبارها البقعة المحتلة التي تجيز تسويغ فعل "المقاومة"، وكان ما كان بلوغا إلى الاتفاق الذي بدأ سريان مفعوله "نظريا" في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، وإذ بموجات التوظيف الإسرائيلي المفرط لظروف هذا الاتفاق وبنوده وكل السطوة التي واكبت تفوّقه الكاسح على الحزب تعيد الحزب قبل ساعات إلى تجربة المجرب باستعادة نمطية من مزارع شبعا إياها. لا ندري واقعيا وفعلا من هي الجهة اللبنانية التي سيكون عليها أن تستنفر مدار الساعات الأربع والعشرين منذ سريان تلك الهدنة التي سقطت واقعيا مضرجة بدماء عشر ضحايا جدد انضموا إلى قوافل ألوف الضحايا في الحرب الأشرس، وكان يمكن الآن أن يكونوا أحياء … لكي تحمي خيارا ديبلوماسيا اعتمده لبنان الرسمي الحالي متكئا إلى موافقة "حزب الله" وتحدد مساره الميداني وأمر عملياته. إلى حين ضمان نزع أي مسوغ للعدوانية التي تظهرها إسرائيل في التحفز لمزيد من الحرب على الحزب ولبنان، يتعين على السلطة اللبنانية أولا وأخيرا أن تُلزم "حزب الله" تبديلا جذريا للنمطية السابقة لإعلان وقف النار والإفساح تماما أمام إقناع العالم باحترام التوقيع اللبناني للاتفاق وتعرية الانتهاكات الإسرائيلية أمام رعاة الاتفاق ودفعهم إلى مواجهة حكومة نتنياهو مباشرة. وما لم يكن متاحا للسلطة اللبنانية أن تبدأ من هذا الاختبار رحلة إثبات القدرة اللبنانية على حماية الخيار الديبلوماسي والتزام تنفيذ الاتفاق ومن خلاله الشروع في فكفكة الهرمية المسلحة خارج الشرعية، فكيف ترانا والعالم نراهن على الدور المحوري الأساسي المعلق على الجيش اللبناني في تنفيذ المراحل المتعاقبة من رحلة الألف ميل لاستعادة السيادة في شكل كامل وناجز؟ أم ترانا أمام عارض عاجل وجرس إنذار مبكر حيال فقدان سيطرة كاملة للسلطة اللبنانية الحالية على التطورات المتسارعة بحيث انبرى الحزب إلى مقارعة الانتهاكات الإسرائيلية على طريقته، فيما انكشف ضعف حضور السلطة اللبنانية وهزالة تأثيرها في الجولة الأولى وعند أول اهتزاز خطير للاتفاق؟ والحال أن وقائع الجولة الأولى والتي يخشى أن تليها جولات وجولات من التلاعب وراء الاتفاق، تعكس الضعف البنيوي للاعب "الشرعي" اللبناني بين عدوانية إسرائيلية متفجرة ومكابرة لا شفاء منها لـ"حزب الله"، حتى لو كلّفت مجددا إعادة اشتعال الحرب. وبذلك لا تعود مجدية كل ثرثرة التطمينات إلى أن الحرب لن تعود، على غرار سنة كاملة كان شعارها أن الحزب لا يريد الحرب بل فقط مساندة غزة!
أين "الضامن" لمنع استعادة الحرب؟
مواضيع ذات صلة