: آخر تحديث

الضفدع والأسئلة القاتلة

2
2
2

يسعى العاملون في مجال الذكاء الاصطناعي، وسنشير لهم بـ«AI»، لخلق أدوات وطرق محاكاة الذكاء البشري، قادرة على أداء المهام التي تتطلب التفكير والتعلم وحل المشاكل والإدراك وحتى اتخاذ القرارات، وكل ذلك باستقلالية تامة، من خلال الخوارزميات والبيانات للتنبؤ والتعرف على الأنماط، بهدف حل كل المشاكل بطريقة سريعة وبكفاءة عالية، وإنشاء حلول ذكية لكل قضية مالية، اقتصادية، طبية أو اجتماعية وغيرها.

يعتقد البعض أن «AI» سينقذ العالم، ويعتقد غيرهم عكس ذلك، ومن هذا المنطلق قام برنامج «60 دقيقة» بمقابلة عالم الكمبيوتر البريطاني المعروف جفري هنتنون، الأب الفعلي لـ«AI»، الذي ساعدت أفكاره في الوصول للتغيرات الخطيرة الحالية في هذا المجال الخطير، بسؤاله عما إذا كانت البشرية، ويقصد هنا الغرب بالتحديد، تعرف ما هي مقبلة عليه؟ فكان جوابه بـ«لا»، واضحة. وأضاف أننا مقبلون على فترة ستكون فيها الآلة، لأول مرة في تاريخنا البشري، أكثر ذكاء منا، وستفهم، وستكون لها تجاربها الخاصة، التي تتعلم منها، وتبني عليها قراراتها، كما نفعل نحن، على الرغم من افتقادها للضمير، أو الوعي بذاتها، لكنها حتماً ستمتلك ذلك مع الوقت.

بدأت قصة جفري مع الـ«AI»، عندما كان في الجامعة في عام 1970، وفكرتها أخذت منه نصف قرن، من العمل، وليس فقط الصبر، وتوِّجت جهوده في 2019، بحصوله، وزميلين آخرين، على جائزة نوبل لعلوم الكمبيوتر.

يقول جفري: إن عقل الروبوت يحتوي على مليار وحدة، بينما يمتلك العقل البشري مئة ضعف ذلك، لكن عقل المليار وحدة يعرف أكثر بكثير من العقل البشري، لامتلاكه طرق معرفة أفضل، وتحليل أسرع، ولا نعرف كيف تقوم هذه الآلات بتلك العملية، مثلما لا نعرف كيف يتصرف العقل البشري، فقد قام العلماء بتصميم كيفية تعلم الآلة، لكنهم أصبحوا لا يعرفون كيف ستفكر، وهنا تكمن مشكلة حقيقية وخطيرة، فالوقت ليس بعيدا عندما نجد أننا لا نعرف ما ستقدم عليه الآلات من خطوات، أو تتخذ من قرارات، بعد أن يصبح بإمكانها كتابة برامجها، وتنفيذها حسب رؤاها، عندها سيصبح بإمكانها خداعنا، والتلاعب بنا، لأنها قررت أو تم تغذيتها بكل كتب التراث العالمي، وهي حتماً تفهم، وتتفهم، وستقوم بالتصرف بطريقة منطقية أفضل منا، وكل ذلك خلال سنوات قليلة جداً، وأن الطب، بالذات، سيستفيد بشكل هائل من «AI». أما المخاطر فتكمن في خلق بطالة واضحة، وخلق أخبار مشوهة، وتصريحات مختلقة على لسان قادة وسياسيين، بخلاف دورها الخطير وغير الأخلاقي في الحروب. ولا يبدو أبداً أن هناك اليوم من بإمكانه وضع حدٍّ لتقدمها، أو منع تطورها الخطير، فعادة ما نخطئ في التعامل مع أمور مستجدة، لكننا لا نمتلك رفاهية ارتكاب هذا الخطأ مع منتجات الذكاء الاصطناعي، لأن السيطرة على الوضع، وقريباً جداً، ستكون بيدها، وليس بيد من صممها، وبالذات مع برامج روبوتات «المقاتل الآلي»، الذي سيقوم بتنفيذ الأوامر بصورة آلية، وبإمكانه حتى قتل من صممه وخلَقَه مقاتلاً.

* * *

لو وضعنا ضفدعاً في قدر من الماء الساخن فسينجح حتماً في القفز منه. لكن لو وضعناه في قدر مليء بالماء البارد، فغالباً سيبقى في مكانه ساكناً. ولو وضعنا القدر على النار، وبدأنا بتسخينه فسيقوم الضفدع بتعديل وضعه، إلى أن تصل حرارة الماء لدرجة يعجز فيها عن القفز من القدر، هنا سيستسلم لمصيره، وينتهي!

وضعنا اليوم يشبه وضع ذلك الضفدع، الذي لا يعرف شيئاً عن النار المشتعلة تحته، ويجلس مطمئناً في قاع القدر معتقداً أن جدرانه ستحميه من أي خطر.

إن انشغالنا التام بأمور تجاوزها الزمن، والعالم يغلي من حولنا أمر محير، فمن المؤسف أن يكون لجماعة الإخوان، وما يماثلها من جهات تعود لقرون مضت مثل هذا النفوذ والسيطرة على مختلف مناحي الحياة، ونقف عاجزين عن فعل شيء!

عدم التحرك سريعاً يعني أن نهايتنا ستكون مثل نهاية ذلك الضفدع.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد