الحرب في غزة ولبنان التي مر عليها أكثر من عام كامل، دافعها الأساس هو تنفيذ الاستراتيجية الإيرانية التي ترى أن تحقيق الدفاع عن ايران، هو أولاً بتأمين التحالف مع روسيا والصين، ومن ثم استخدام أذرعها التي عملت لفترة طويلة على دعمها بالمال والسلاح من أجل الوقوف أمام مشاريع الولايات المتحدة وإبعاد إيران عن مرمى النار الأميركية بإشغالها بالاهتمام بأمن إسرائيل، وقد حدث ذلك بالفعل، إذ قضت إدارة جو بايدن الوقت وهي تبعث وزير خارجيتها الى المنطقة، وإرسال المساعدات العسكرية إلى إسرائيل، وأيضاً البوارج إلى شرق المتوسط بعيداً عن إيران. في غضون ذلك قامت إسرائيل بإبادة أهل غزة ومطاردتهم من زاوية الى زاوية، وأجلت الصراع مع "حزب الله" من خلال تدخل أميركي مباشر ، إذ أرسلت أميركا بطلب من نتنياهو أسطولاً حربياً مواجهاً للساحل اللبناني، ما جعل "حزب الله" يقوم بمناوشات محدودة سماها "قواعد الاشتباك". إسرائيل كانت تشتري الوقت، فهي تعلم أن "حزب الله" جزء من استراتيجية إيران وأن لديه سلاحاً أكثر واضخم من سلاح "حماس" في غزة، ولما أشرفت عملية غزة على الانتهاء التفتت إسرائيل الى الحدود الشمالية لمواجهة "حزب الله"، هذه المرة، بعدد من المفاجآت التي لم يكن يتوقها، بدءاً بهجوم "البيجر"، وانتهاء بتصفية منظمة للقيادات الكبيرة، بالتزامن مع قطع أي امدادات عسكرية من سوريا . خلال معظم صيف 2024 كانت إدارة بايدن تدعم الأعمال الإسرائيلية العسكرية، مع كلام عن مساعدات إنسانية، لم تكن منتظمة أو مفيدة. في أثناء ذلك كانت الإدارة تخوض حملة انتخابية شرسة في الولايات المتحدة، استفاد الحزب الجمهوري من غبار المعركة وتردد الإدارة، من خلال رفع ترامب شعار انه سوف يحل السلام في الشرق الأوسط، من بين وعود أخرى اقتصادية في الداخل، ذلك الشعار جعل العرب والمسلمين في الولايات المتحدة يساعدون حملة ترامب، كذلك فعلت مجموعات شبابية كانت غاضبة من عدم وقف المذابح في غزة، ولذلك استطاع ترامب أن يؤلف قوس قزح من تضافر المستائين الواسع، الى جانب عدد من الشعارات على رأسها منع الهجرة غير القانونية. أمام إدارة ترمب شهران ونيف للوصول الى البيت الأبيض، وبدا في خطاب القبول الذي ألقاه بعد ظهور النتائج وبيان ترجيح فوزه، أنه خطاب تصالحي، ذكر فيه العرب والمسلمين، وأيضاً إحلال السلام في الشرق الأوسط . من جهة أخرى، فإن القراءة الإسرائيلية لنتائج الانتخابات جاءت مرحبة سريعاً برسالة من نتنياهو رحب بها بـ"العودة التاريخية"، ومن المحتمل أن يكمل نتنياهو المهمة في غزة وجنوب لبنان قبل الأسبوع الثاني من كانون الثاني (يناير) المقبل، توقيت تسلم الإدارة الجديدة التي ترغب في أن يكون ذلك الوقت هو السقف النهائي للعمليات العسكرية، وتتدخل لإكمال المهمة السياسية من دون وجود حزب مسلح في لبنان أو فصيل مسلح في غزة. تلك رغبة الإدارة المقبلة. المعروف لدى الإدارة الآتية أن رأس المشكلة في الشرق الأوسط هو إيران ، لذلك من المحتمل أن يزداد الضغط الاقتصادي والديبلوماسي عليها، بخاصة إن استطاعت الإدارة الجديدة وضع نهاية معقولة للحرب في أوكرانيا، وقتها لن يكون لموسكو مبرر لدعم المشروع الإيراني في الشرق الأوسط، وذلك أيضاً يناسب الكرملين لما له من علاقة تاريخية مع تل أبيب. تبقى عقدة المنشار، وهي ما يعرف بحل الدولتين، والسؤال هل الإدارة الجديدة راغبة أو قادرة على الضغط على إسرائيل من أجل حل من نوع ما ينتج حل الدولتين؟ قد يكون ذلك احتمالاً ممكناً في ضوء رغبة ترامب في السلام، وأيضاً لأنه في الولاية الثانية وليس محتاجاً أن يجامل أي قوة داخلية، حيث لا تنتظره انتخابات أخرى، مع الأخذ في الاعتبار أن لدى إدارته أغلبية في الكونغرس بمجلسيه، فلديه شيك على بياض في السنتين المقبلتين. وربما يرغب في أن يترك إرثاً خاصاً به على رأسه حصوله على جائزة نوبل للسلام، ونظراً إلى شخصية ترامب، فذلك هدف مغرٍ إن وصل الى سلام في كل من أوكرانيا والشرق الأوسط. إيران، وإن كانت قلقة من وصول ترامب، إلا أنها سارعت الى القول، على درجة منخفضة، أن لا شيء يمكن أن يتغير بالنسبة اليها، وذلك أمر متوقع، ولكن لا بد من أن تقوم بإعادة حساباتها في المدى المتوسط تجاه بؤر الصراع في الشرق الأوسط باتجاه تقليل تورطها، إن أرادت أن تتجنب الضغوط المتوقعة. الدول في الخليج ومصر والأردن وشمال أفريقيا العربية ليست لديها مشكلة كبيرة مع وصول ترامب، فهي تعرفه، وتعرف أن خططه الاقتصادية تكتمل بالتعاون مع دول النفط، لأنها سوق استيراد ضخم للمنتج العسكري والمدني الأميركي، وهي أيضاً لها فرص بالتعاون مع الشرق، وبخاصة مع الصين اقتصادياً وتقنياً إن لم تسر الأمور كما تناسب مصالحها، فهي في موقف تفاوضي مريح. تلك هي معالم المسرح السياسي، وما تعنيه العودة التاريخية لترامب الى البيت الأبيض.
عودة ترامب... ماذا تعني للشرق الأوسط؟
مواضيع ذات صلة