هل تتمنى أن تكون أستاذاً في كلّيّة العلوم السياسيّة، تعلّم طلاّبك ما لست مقتنعاً به في أحيان كثيرة؟ مقرّر هذه الكليَة سَلطة فواكه، بلا ريب، سنتسلّى منها بالديمقراطية، لا أكثر، فقد ملأت البرّ حتى ضاق عنها. حتى منتصف القرن العشرين كان لها ما تقول وتدّعي، بل دعها تمدّ رجليها إلى سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي، يومها حطّت الحرب الباردة رحالها، وصاح المنادي: لا وقت للاستراحة، فالدور على الإسلام.غير أنك لا تستطيع إنكار عبقرية الديمقراطية، فهي أصدق صورة لخضراء الدّمن. قيل، وإن وصف الحديث بأنه ضعيف: «وما خضراء الدّمن يا رسول الله؟ قال:المرأة الحسناء في منبت السوء». عندما ظهر مصطلح الديمقراطية في اليونان القديمة، كان الفلاسفة، وفي صدارتهم أفلاطون، ثمّ أهل الحلّ والعقد والجاه والنفوذ، يَستثنون ثلاث فئات من الحظوة بامتيازات الديمقراطية: النساء والفقراء والعبيد. لم يستثنوا الكثيرين، تسعة أعشار الشعب، فقط، لا غير!نسي التاريخ السياسي موسوعة فجائع سلاسل الاحتلالات اليونانية، على يد الإسكندر، تلميذ أرسطو. اليونان شبر في شبر، احتلت إيران وشبه القارة الهندية (أي الهند وباكستان وبنغلاديش اليوم)، ووادي الرافدين الذي كانت نهاية الغازي فيه. نسي التاريخ كل المصائب والنوائب التي اقترفها أباطرة روما المجانين، وكانت كل الطرق تؤدي إليها، وظلت الديمقراطية تفخر بالحياة البرلمانية في الإمبراطورية، التي ليست اليوم أكثر من خنصر جغرافي في البحر الأبيض المتوسط. نسي التاريخ ما فعلته الإمبراطوريتان الفرنسية والبريطانية بالكوكب مشارق ومغارب، فهما لا تلهجان إلاّ بمآثر الديمقراطية، التي يستطيع أساتذة العلوم السياسية، قبل طلاّبهم، أن يتأمّلوا مفاخرها في مستعمرات الدنيا في الأمريكتين وآسيا والأقيانوسية وإفريقيا.أمّا الإمبراطورية التي ورثت السابقتين، فإن كان أدعياء الديمقراطية فيها، يحاولون إيهام الرأي العام العالمي بمحاسنها، فالأجدى محاولة إقناع رأيهم في الداخل قبل الخارج. خارج أمريكا الشمالية، لم يعد في الآدميين صمّ بُكْم عُمْي لا يعقلون. ذلك كان أيام الغفلة والانخداع. بربّك، ألا تحتاج، قبل اختيارك كلية العلوم السياسية، إلى أن تفكّر في الأسلوب الذي ستخاطب به طلاّبك بعد تخرّجك، في تبرير سخريات حرباء الديمقراطية، التي تتلوّن سلوكياتها، لتزيّن لشعوب العالم مشاهد فيتنام والعراق وسوريا وليبيا، واحتضان غزّة بحاملات الطائرات والغواصات النووية، بقيادة من؟ برجالات تاريخ عظام (جمع عظم)، مثل بوش الابن ومن تلاه إلى يوم انطفاء ألوان الحرباء.لزوم ما يلزم: النتيجة التغييرية: إلى متى الإصرار على مخلّلات مناهج العلوم السياسية؟ أهذا ما يدرسه أبناء العرب؟
سخريات حرباء الديمقراطيّة
مواضيع ذات صلة