تجاوز خطِر يهدف إلى تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك، عندما اقتحم وزير الأمن القومـــي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير ومسؤولون آخرون، برفقة الآلاف من عصبــــته باحات الحرم القــدسي، في ذكرى ما يسمونه «خراب الهيكل»؛ حيث تم انتهــاك حرمة المسجد الأقصى بأداء صلوات وطقوس تلمودية، ورفع بعضــــهم أعلاماً إسرائيلية، وترديدهـــــم نشيدهـــــم القومي، وأدائهم «السجود الملحمي» من الناحية الشرقية للمسجد، وبحراسة من الشرطة الإسرائيلية، التي لم تحرك ساكناً إزاء هذه الانتهاكات.ما حدث تجاوز للخطوط الحمراء؛ إذ يشكل استفزازاً كبيراً لمشاعر المسلمين، وضرباً لعرض الحائط للأوضاع المتوترة بالفعل، في ظل حرب مدمرة يقودها اليمين المتطرف، وعلى رأسه نتنياهو على قطاع غزة، إضافة إلى معارك في الشمال مع لبنان، في ظل رد إيراني محتمل، كما أنه انتهاك صارخ للوصاية الأردنية على المسجد؛ حيث زعم بن غفير أثناء تقدمه الاقتحام أن «إسرائيل أحرزت تقدماً كبيراً في مجال الحكم والسيادة، كلنا شاهدنا اليوم اليهود يصلون هنا بحرّية، وكما قلت سابقاً، سياستنا هي السماح بالصلاة لليهود».تصريحات بن غفير جلبت انتقادات دولية صارمة، أبرزها كان من الحليف الاستراتيجي لها، واشنطن، ما دفع مكتب نتنياهو للتعليق؛ بهدف امتصاص الغضب، بالقول: «إن صنع السياسات في المسجد الأقصى، يخضع مباشرة للحكومة ورئيسها»، رغم أن حكومته لم تحاول منع هذه الاستفزازات، ما يجعله شريكاً بها، ومباركاً لها، وما تصريحه إلّا لذرّ الرماد بالعيون، وهذا ما دفع زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، للتحذير بأن «مجموعة المتطرفين غير المسؤولين في الحكومة تحاول جاهدة جرّ إسرائيل إلى حرب إقليمية شاملة».إسرائيل الآن ليست في أفضل أحوالها على الإطلاق؛ إذ أعادها اليمين المتطرف الذي بات يتحكم بأوصالها، إلى مناقشة التهديد الوجودي لها، لأول مرة منذ عام 1948؛ حيث كان سبباً في الحرب القائمة الآن، وزيادة العداء العربي والعالمي لها، وعلى الرغم من كل ذلك، فإنه يتماهى في محاولة فرض التقسيم الزماني والمكاني للأقصى، على غرار الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، وفرض وقائع جديدة قد تؤزّم الأوضاع، وتشعل فتيل مواجهات جديدة.سُعار الثأر والضم والتهويد والاستيطان والتنكيل بلغ أشده، وكل ذلك لن يجدي نفعاً مع شعب لايزال متمسكاً بحقه في تقرير المصير منذ أكثر من قرن، وصامداً رغم فصول الظلم الكثيرة التي تعرّض لها؛ لذا فإن مواصلة حملات القضاء عليه ستكون ارتداداتها عكسية، وستمسّ أمن إسرائيل في مقتل، لأن الظلم يولّد ردات فعل، ولن يكون بمقدور تل أبيب منعها مهما استخدمت من أساليب قمعية، ولأن التاريخ خير شاهد، فالشعب الفلسطيني لن يزيده إجرام اليمين المتطرف إلا صموداً وتشبثاً بأرضه.
تجاوز خطِر في الأقصى
مواضيع ذات صلة