أصل كلمة «ماساتشوستس» يعود لقبيلة «ماساتشوست» الهندية الأمريكية، وربما تعني في لغتهم «مكان التلال الكبيرة»، التي وصل إليها أوائل المهاجرين عام 1620 على متن سفينة «ماي فلاور»، وبعدها بعشر سنوات تأسست مستعمرة ماساتشوستس، من جماعة من البيوريتان، أو الأنقياء، دينياً. وكان للمستعمرة دور في حرب الاستقلال عن بريطانيا، ففيها وقعت عام 1770 مذبحة بوسطن، عندما أطلق الجنود البريطانيون النار على المدنيين. ومنها بدأت الاحتجاجات على دفع الضرائب لبريطانيا، فيما عرف بـ«حفل الشاي» في بوسطن، وعلى أراضيها وقعت بعض أشد معارك الاستقلال ضراوة، وكانت في 1776 من أوائل الولايات التي أعلنت استقلالها، ومنها انطلق في 1848 أول نظام للسكك الحديدية في أمريكا، وسنّ فيها عام 1920 أول قانون يحظر تناول الكحول. وفيها، وقبل أربعمئة عام تأسست هارفارد في مدينة كامبردج، لتصبح الجامعة الأفضل في العالم، وسميت بهذا الاسم تكريماً لجون هارفارد، الثري الذي ترك لها نصف ممتلكاته ومكتبته، وتم قبول النساء فيها للدراسة عام 1960، وفي 2007 تولت درو فاوست رئاستها، كأول امرأة.
* * *
أثرت مخرجات هارفارد، بعشرات آلاف أبحاثها الجادة، في مختلف المجالات، خاصة الطبية والمالية والاجتماعية، على العلم والتطور والصحة. كما تبوّأ خريجوها أعلى المناصب، وكان للكثيرين منهم دور سياسي خطير، داخل أمريكا وخارجها، بمن في ذلك رؤساء أمريكيون، مثل كنيدي وأوباما، وأجانب، وعلماء، وكتّاب، ومن فازوا تالياً بجوائز نوبل. كما كان عدد من أشهر قضاة المحكمة العليا من خريجيها.
اشتهرت هارفارد بتعدد التخصصات فيها، وهذا مكّن طلابها من اكتساب مهارات ومعارف في مجالات متنوعة ومتعددة. كما أن عدداً من كبار رجال أعمال «وادي السيليكون» هم من خريجي هارفارد، ممن ساهموا في إنشاء وتطوير شركات تكنولوجية عالمية رائدة.
كما كانت لدى الجماعة دائماً قدرة مالية كبيرة، مكنتها من الصرف على الأبحاث وخلق بيئة خصبة للابتكار، من خلال تعدد مراكز البحوث والحاضنات التي تدعم الأفكار الريادية والفكرية فيها، والتي استطاعت تقديم المشورة الجيدة للحكومات والمؤسسات الدولية وفي وضع سياساتها العامة. وكان لها دور كبير في الابتكارات الطبية، حيث قدمت كلية الطب في هارفارد مساهمات كبيرة في مجال الطب والرعاية الصحية، بما في ذلك اكتشافات علمية وعلاجات جديدة. وتدرّب في كلياتها عدد كبير من الأطباء والعلماء، الذين يعملون على تحسين الصحة العامة في جميع أنحاء العالم.
والخلاصة أن جامعة هارفارد لعبت دوراً محورياً في تطوير العديد من المجالات الحيوية، وساهمت بشكل كبير في دفع عجلة التقدم العلمي والثقافي والاجتماعي على مستوى العالم.
كانت معهداً دراسياً، ثم جامعة، وبأموال الخير تحولت إلى مصدر علم وفائدة للعالم أجمع.
أحمد الصراف