حسن مدن
لا علاقة لما سنأتي به الآن بعدد السنوات التي يعيشها الأدباء والكتّاب، كونهم شأن بقية البشر، من مختلف الأقوام والاهتمامات أو الاختصاصات، يعيشون أعماراً متفاوتة، بعضهم يُعمّر طويلاً حتى يشارف المئة عام، وبعضهم يموت شاباً في مقتبل العمر. الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين مات في المبارزة الشهيرة عن ثمانية وثلاثين عاماً، أما مواطنه، مالئ الدنيا وشاغل الناس، أنطون تشيخوف، فقد مات بمرض السلّ عن أربعين عاماً، فيما أتى السرطان على الشاعر الفرنسي آرثر رامبو، الذي كان قد هجر الشعر، وهو في السابعة والثلاثين عاماً، وكيف لنا أن ننسى أن أديبنا الفلسطيني المبدع غسان كنفاني الذي استشهد عن 36 عاماً.
وأنا أعيد قراءة مقالي، على موقع «الخليج»، صباح أمس، عن القلم الذي حيّر عباس محمود العقّاد، انتبهت إلى أني طوال المقال كنت أصف إبراهيم أصلان بالكاتب الشاب، حين أعدت شرحه للقاء الصدفة الذي جمعه مع العقّاد في شارع شريف، دون أن يتحدث معه أو يقدّم نفسه إليه، مكتفياً بوصفه، وحكايته مع القلم الذي راح يتأمله على رفّ محل لبيع القرطاسيات.
إبراهيم أصلان توفي العام 2012 عن عمرٍ ناهز السابعة والسبعين، لكني، ومن سياق المقال، قصدتُ أنه عندما صادف العقاد في الشارع كان شاباً، فالحدث تمّ في العام 1964، قبل وفاة العقّاد بأشهر قليلة، وإذا علمنا أن أصلان من مواليد العام 1935، فإنه كان يومها شاباً في التاسعة والعشرين من عمره.
المحفز للوقوف عند أعمار الكتّاب هو ما ذهب إليه مؤلف كتاب «دراسات في الحب» خوسيه أورتيغا غي غاست، الذي أصدرت الهيئة العامة للكتاب في وزارة الثقافة السورية ترجمةً له وضعها علي إبراهيم أشقر. لم يكن مؤلف الكتاب يتحدث عن الكتابة وأعمار الكتّاب حين تناول الموضوع في أحد مواضع الكتاب، وإنما كان يتحدث عن الفروق بين الأجيال المختلفة في علاقتها بعاطفة الحب، ملاحظاً أن كل جيل «هو زيّ كامل من الوجود يُثبّت بشكل لا يمحى على الفرد»، حتى أن بعض الشعوب البدائية تُميّز كل جيل بوشمٍ خاص على أجساد أفراده عندما يصلون إلى سن البلوغ، «فيظلّ الوشم منقوشاً في كيانهم بشكلٍ لا فكاك منه».
لأمرٍ ما وجد الكاتب تشبيهاً لشرح فكرته هذه عن علاقة الأجيال المختلفة بالحب في الفرق بين أسلوبي جيلين مختلفين في كل الأنشطة بما في ذلك أكثرها تجريداً والأقل خضوعاً ليد الزمان، وفق قوله، ومنها الكتابة، قائلاً «إننا إذا فتحنا اليوم كتابين في أرقى رياضيات عليا نستطيع أن نكشف من غير أنباء سابقة أيّ المؤلفين في الثلاثين وأيّهما في الستين».
حاولوا أن تختبروا هذه الفرضية، واحكموا بالنتائج.