في تقرير نشره موقع (فرانس 24) في 2024/7/16 وجهت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية أصابع الاتهام لفصائل فلسطينية مسلحة في غزة بارتكاب (جرائم حرب) أثناء هجومها في السابع من أكتوبر على إسرائيل.. وقالت بلقيس ويلي المديرة المساعدة للمنظمة، وهي من أصول عربية وتجيد اللغة العربية: «إنه من الواضح أن هناك المئات من الانتهاكات لقوانين الحرب». ويفصّل هذا التقرير الذي اعتبر أنه يُشكل إحدى كبرى الدراسات الدولية تعمقاً في مُجريات الهجوم الذي تسبب في الحرب المُدمرة الحاصلة الآن.. ملقياً باللوم على الجانب الفلسطيني.. لكن ويلي لم تستطع تحديد عدد الحالات بدقة ولا تقديم أدلة دامغة عليها ولا حتى شهود، ورغم ذلك بدت متأكدة من أن هذه الهجمات استهدفت قتل المدنيين عمداً وقتل الأطفال والعنف الجنسي وسرقة الرفات وأخذ رهائن.. وأكثر. ولم يحمل التقرير أي دليل واضح على ما أوردته السيدة بلقيس سوى أخذ الرهائن. ورغم الرد الفلسطيني الرافض لهذه الاتهامات.. إلا أنها اعتبرت أخذ الرهائن (جريمة حرب)! وشدد التقرير على محاسبة مرتكبي هذه الجرائم.
هذا التقرير غير المهني، والذي يفتقد للمصداقية، بقي حديث الصحف العالمية التي تناقلته، متجاهلة حقيقة أن السابع من أكتوبر لم يكن البداية، وأن خطف الرهائن جاء رداً على خطف آلاف الفلسطينيين وسجنهم في المعتقلات الإسرائيلية، وأن الهدف هو ليس قتلهم، بل مبادلتهم بأسراهم. وتَجاهل التقرير كل ما سبق وهذا ما يُعد سقطة كبيرة في تاريخ هذه المنظمة التي يبلغ عدد الموظفين فيها أكثر من 400 موظف يعكفون على إعداد التقارير الخاصة بحقوق الإنسان، وللصدفة فشلوا جميعاً في جمع أدلة تدين الفلسطينيين بما ورد في التقرير.
بالعودة إلى بداية منظمة «هيومن رايتس ووتش»، والتي تعني بالعربية منظمة حقوق الإنسان، فقد حظيت هذه المنظمة بشهرة واسعة منذ تأسيسها عام 1978 ومقرها نيويورك، وهي منظمة تجري أبحاثاً للدفاع عن حقوق الإنسان، وغالباً ما تعمل نيابة عن اللاجئين والأطفال والمهاجرين والسجناء السياسيين. كما أنها منظمة لها تاريخ طويل في الدفاع عن حقوق الإنسان، وتتلقى الدعم الدولي المالي الذي يقارب الملايين من الدولارات من عدة بلدان، تمثل الولايات المتحدة نسبة 75% من تلك المساعدات وهو ما يجعلها المُمول الأول. ومما يذكر أن المنظمة تعرضت لانتقادات كثيرة؛ إذ اتهمت بالتحّيز في كتابة تقاريرها التي تسيء إلى دول أمريكا اللاتينية، إضافة إلى تحريف قضايا حقوق الإنسان في كل من إريتريا وإثيوبيا. وطبعاً الانحياز الدائم لإسرائيل.
كتب ناتان شارانسكي، وهو وزير داخلية إسرائيلي سابق، مقالاً هاجم فيه المنظمة؛ حيث قال: «تم إنشاء المنظمة بحسن نية من أجل دفع العالم لوقف انتهاكات حقوق الإنسان. أما اليوم فقد أصبحت أداة في يد الأنظمة الديكتاتورية.. حان الوقت أن نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقة، وهي أن نشاط هذه المنظمة اليوم بعيد كل البعد عما أسست من أجله».
من ناحية أخرى نجد أن المنظمة لا تترك فرصة للنيل من الدول العربية واتهامها بانتهاك حقوق الإنسان.. كما حدث في مصر خلال فض اعتصام رابعة العدوية من قبل الشرطة المصرية؛ حيث نشرت المنظمة تقريراً تتهم فيه الشرطة باستعمال القوة المفرطة. كما تمادت في تقاريرها المتتالية ضد عدد من دول الخليج. كل ذلك ولم نسمع حتى الآن تقريراً مفصلاً عن التجويع والإبادة التي تحصل في غزة.. اختصرتها بالمؤتمر الذي ذكرناه وبتصوير الفلسطيني بالإرهابي والمعتدي.
تقارير هذه المنظمة وغيرها لن تُغير الواقع، والكل يعلم أنها تتبع مُمولها لكن هناك ظاهرة تستحق أن نقف عندها.. وهي أن الرئيس السابق للمنظمة ويدعى كينيث روث كان يهودياً وكان والده لاجئاً يهودياً فرّ من ألمانيا النازية عندما وصل أدولف هتلر إلى السلطة. نشأ روث في ديرفيلد إلينوي وتخرّج في جامعة بروان. انضم روث إلى المنظمة، ثم أصبح المدير التنفيذي فيها. لكنه انتقد إسرائيل في أكثر من موقف. وعندما قدم للزمالة في جامعة هارفرد رُفض بسبب تغريدات عن إسرائيل اعتبرت مُثيرة للقلق، خاصة أن إسرائيل هي من المُمولين لجامعة هارفرد. ويُذكر أن روث قدم استقالته من المنظمة لتتولى المنصب مكانه سيدة ذات أصول إسلامية تدعى تيرنا حسن، والتي صدر في عهدها التقرير الهزيل الذي يفتقد إلى أدني متطلبات البحث.. الدليل الواضح أو الشهود.
هو زمن غريب لم نعد نعرف فيه العدو من الصديق. لكن الحقائق التي بدأت تتكشف أمامنا اليوم، تعلمنا ألا نَحكم على الناس من أعراقهم أو ألوانهم أو حتى الانتماء الديني أو العقائدي، بل من إنسانية مواقفهم.. روث اليهودي قال كلمة حق لم تستطع لا بلقيس العربية ولا تيرنا المسلمة قولها.. نحن اليوم أمام منظمات في ظاهرها حقوقية صادقة.. وخلف كواليس تقاريرها مخططات مزورة تكتبها اليد التي تُمَولها.. نَعرفها ويَعرفها العالم.. ومع ذلك نجد من يُصدقها ولو بلا أدلة وبلا شهود.
* كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية