بدأت صباح السبت مبكراً، للحاق برحلة العمل المتجهة إلى دولة أوروبية أزورها للمرة الأولى. لستُ من محبّي الرحلات المبكرة التي تبدأ الخامسة صباحاً، فتأخرت قليلاً في الاستعداد وأمهلت نفسي ربع ساعة إضافية، قبل أن أخرج واستقل السيارة التي تنتظرني. فإذا بالسائق يتصل بي مراراً، ليخبرني بأنّني تأخرت وشركة الطيران تتصل به.
فاستغربت.. وفي لحظة تذكرت أنه أول يوم رسمي في عطلة المدارس والجميع متجهون إلى عطلهم وإجازاتهم السنوية، والطريق لمدخل المغادرين سيكون مزدحماً. لم أتأخر لكن المكان فعلاً لا يشبه الأيام الأخرى التي أسافر فيها بدءاً بموقف النزول إلى الداخل.
في مطار دبي، وكلّي ثقة بأنها في جميع مطارات الدولة، وجوه المسافرين وسرعتهم لإنهاء إجراءات السفر تخبرك كيف أن العالم بأسره لم يتوقف يوماً عن فكرة السفر، وأن الكثير تغيرت قناعاتهم، سواء في ضرورة زيارة أسرهم، أو في التعرف إلى العالم، وحتى العزلة التي صارت أمراً جميلاً حتمياً.
الوجوه الكثيرة التي تعبر بي وأنا أمشي في صالة المطار والسوق الحرة، تريك عدد الاختلافات في البشر، وتنوع الثقافات والجنسيات، التي تعيش هنا وتغادر لقضاء عطلتها أو تلك التي تمر في محطة «ترانزيت» عبوراً لوجهتها القادمة.
لم يتوقف قطاع الطيران عن النمو ولا أعتقد أن البشر سيقبلون يوماً بتوقفه كما حصل في جائحة «كورونا» قبل نحو أربعة أعوام، لن يقبل العقل أن يرى حال الشلل والسجن في مكان واحد، أو في مكان بعيد عن وطنك، أو أن يصبح المرء في عزلة عن العالم، عن العلم والمتعة.
الطيران وحّد العالم وجعله رقعة واحدة، اختصر الأزمان وطوّر العلوم والتكنولوجيا ونقلها من مكان إلى آخر. الطيران جعل الذهاب إلى أقاصي الأرض ممكناً، والاتصال بالكل ممكناً، والتعرف إلى الشعوب سهلاً؛ واليوم ونحن ننقل من الإمارات وعلى متن شركاتنا الوطنية ملايين البشر، فإننا نسهم في تعزيز الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ونتطلع للتحول إلى عمليات بيئية صديقة، لا تقتل حقيقة قصة عالم الطيران.
السفر متعة، والعمل عبر السفر علمنا الكثير وغيّرنا، التغيير الذي لا تقدمه الجامعات أو الأسرة، واليوم وأنت تشاهد رحلة المسافر ولوحة الأماكن التي لم تعرفها يوماً أو تتخيل أن أحداً سيصلها، حينها ثق بأن الله هيّأ الأسباب لأن نتعارف ونكون شعوباً متجانسة ومتناغمة في سلام وحب، هذا ما يقدمه الطيران في رسالته الإنسانية.. وهذا ما نريده في كل مبادئنا ورؤانا وتطلعاتنا..